الشعب يريد …الوضوح

نعود مرة أخرى هنا إلى الدعوة التي أطلقها حزب التقدم والاشتراكية بضرورة انخراط القوى الديمقراطية في المعركة السياسية والفكرية بكل حزم ووضوح ضد مختلف الأوساط المتطرفة التي تواصل سطوها على حركية الشارع المغربي ومسيرات شباب (20 فبراير). النضال اليوم منصب، وبشكل ملموس، من أجل إخراج دستور جديد ينتقل ببلادنا إلى مرحلة ديمقراطية جديدة، والاستعدادات تجري أيضا من أجل انتخابات نزيهة تفضي إلى برلمان وحكومة جديدين ومعبرين عن إرادة شعبنا، والمطالب تتكثف كذلك من أجل تفعيل إصلاحات اجتماعية واقتصادية تستجيب لمطالب المستضعفين من شعبنا، ومن أجل تقوية دولة القانون في بلادنا.
إنها أجندة المرحلة اليوم، فمن يهمه النجاح في هذه الأوراش الإستراتيجية ومن لا يرضيه ذلك؟
هل نريد لبلادنا اليوم دستورا ديمقراطيا ومؤسسات قوية وذات مصداقية وإصلاحات حقيقية ودينامية تنموية، أم، ولنقلها بصراحة، نريد تغيير نظامها السياسي والمؤسساتي؟
ليس هذا كلام الاستنطاقات أو محاكمات النوايا، إنما رصد ينطلق من منظومة الشعارات والمطالب والأساليب المعبر عنها اليوم من لدن جهات متطرفة يمينا أو يسارا، وأيضا دعوة لها لتتحلى بشجاعة القول والتوضيح.
لقد علمتنا الممارسة والأدبيات أن نسجل المكاسب ونستثمرها، وبعد ذلك نطالب بالمزيد، وتعلمنا أن التغيير يتحقق بمراكمة المكاسب، وتعلمنا أن المسلسلات النضالية تنجح بتقوية التحالفات وبحسن دراسة الواقع، وأن نتفادى «نحسبو لوحدنا»…، وانطلاقا من هذا، ما معنى أن يغمض البعض العين عن كل ما حصل منذ تاسع مارس، وما معنى أن نسمع مؤخرا من يهددنا بأن الشوارع لن تنظف إلا بالدم؟
لقد نبه الكثيرون إلى «غزو» تيارات متطرفة لحركات «20 فبراير»، ودعا التقدم والاشتراكية إلى خوض المعركة الفكرية والسياسية دفاعا عن المشروع المجتمعي الديمقراطي والحداثي أفقا لتقدم بلادنا ومجتمعنا، ولكن في المقابل، وبدل الانخراط في الوضوح الفكري الضروري، طلع علينا من يعتبر الانتقادات مؤامرة وتجييشا من «المخزن» للصحافة والصحفيين، وهذا وحده يبين طبيعة علاقة هؤلاء مع الديمقراطية ومع الاختلاف، ثم طلع علينا من يصر على شروده وعلى التنطع قائلا بأن «20 فبراير» لم تخف يوما مكوناتها، ثم توالت .. الأمراض الطفولية (رحم الله القائل).
إن مسؤولية القوى الديمقراطية الحقيقية كبيرة في الخروج من صمتها والانطلاق إلى الجهور بالقول بأن هناك من يدفع نحو وقف كل هذا المد الإصلاحي، وهناك، في السياق ذاته، من يضرب له الدفوف ويسخن له البنادر ببلاهة.
لن تكون لنا أية فائدة فيما بعد لو ضيعنا على بلادنا وشعبنا فرصة تاريخية من أجل التغيير، ولن تنفعنا حينها حتى اعترافات بعض الزاعمين (من الزعم وليس من الزعامة) وإقرارهم بالخطإ.

[email protected]

Top