(رقابة)برلماني على شفتي وزير

الأجواء التي ميزت بداية مناقشات مجلس المستشارين لمشروع قانون المالية على صعيد لجنة المالية تؤكد كل التخوفات التي كان الكثيرون عبروا عنها منذ مدة في الصالونات السياسية وعبر الصحف.
من حق برلمانيين أن يناقشوا الحكومة في مشروع الميزانية وفي كل المشاريع والنصوص والسياسات الأخرى، ومن حقهم أيضا أن تكون تدخلاتهم ساخنة وشديدة اللهجة، خصوصا إذا كانوا مصطفين ضمن فرق وأحزاب المعارضة، فكل هذا يعتبر سلوكا سياسيا عاديا وتشهده كل برلمانات الدنيا، لكن من الغريب فعلا أن تنصب سخونة الكلام على  كون الوزير الحاضر في الاجتماع حرك شفتيه أم لم يحركها، والغريب أيضا أن يعرف الاجتماع تبادل الشتائم وقلب الكراسي والانسحاب حول هذا الموضوع، تأييدا ورفضا…

قبل هذه الحادثة، كانت وقعت في جلسة عمومية منقولة عبر التلفزيون مشاداة كلامية أخرى بين مستشار وزميل له كان يترأس الجلسة، واستعملت فيها كلمات نابية سارت بذكرها ركبان الصحف وتعليقات مواقع التواصل الاجتماعي…
وجرت حوادث وطرائف أخرى منذ بداية الدورة البرلمانية الحالية، كما لو أن الغرفة الثانية كانت بهذا تقدم فهمها الخاص لتوجيهات جلالة الملك بالرفع من مستوى الأداء البرلماني…
ماذا يعني كل هذا؟
أولا، لا يعني مطلقا أن كل أعضاء الغرفة الثانية من هذا الصنف، بل توجد كفاءات حقيقية تحت هذه القبة، مع الأسف لم تعد تجد لا الجو ولا السياق لممارسة فعل برلماني جدي ومسؤول…
ثانيا، إن استمرار الغرفة البرلمانية الثانية بلباس دستوري عتيق جدا، وبدل أن يدفع كافة مكوناتها إلى الانكباب على هذا الموضوع، وأيضا إلى البحث عن سبل تجويد الأداء من خلال تحسين مضامين النظام الداخلي، فان الهاجس صار هو البروز والتميز، ولو بشكل يكاد يكون مرضيا.
ثالثا، إن الأسلوب الذي تتبعه بعض فرق المعارضة اليوم، وخصوصا من الحزب المعلوم، يهدد بتحويل عمل مجلس المستشارين إلى ميدان للتجاذب الفج والكلمات الساقطة، وبالتالي إلى إصابة عمل الغرفة الثانية بالشلل، وتحويلها إلى عرقلة حقيقية.
خلال السيرك الأخير في لجنة المالية بمجلس المستشارين، لم يبال الكثيرون بشفتي الوزير، ما عدا رئيس فريق الحزب المعلوم، وقد نجح فعلا في وقف كل شيء لينصب الانتباه الجماعي، بفضل سيادته، على وجه الوزير وملامحه، وهذا منتهى العبث حقا.
لقد منح الدستور الجديد صلاحيات واختصاصات مهمة للبرلمان، وأيضا للمعارضة، وصار للطرفين دور الفاعل في السياسات العمومية، وهذا يتطلب التسلح بالخبرة والاجتهاد والجهد الفكري والسياسي والعلمي، بدل التيه في مناورات صبيانية صغيرة جدا، أو محاولة التخصص في تحليل شفتي الوزير وملامح وجهه، وإبداع(رقابة)جديدة على هذا المستوى.
مؤسف كل هذا فعلا.
[email protected]

 

Top