إفريقيا الأخرى

تعيش القارة الإفريقية هذه الأيام، جراء ما يحدث في مالي، أوضاعا دموية أضيفت إلى ما تعانيه الكثير من بلدانها من مآسي الجوع والمرض والحروب الأهلية والتخلف الاقتصادي والاجتماعي، بالإضافة إلى الاستبداد السياسي واللااستقرار، وكل هذه المآسي هي مستمرة منذ عقود، كما أنها باتت مقترنة بصورة إفريقيا في العالم، وذلك بالرغم مما تختزنه هذه القارة من ثروات طبيعية وموارد بإمكانها أن تؤمن العيش الكريم لأبنائها، والاستقرار والتنمية والرخاء لدولها. وإن هذه الإمكانات بالذات هي التي حفزت في السنوات الأخيرة مقاولات مغربية للدخول إلى أسواق القارة، وإنجاز مشاريع استثمارية وإنمائية في العديد من دولها، كما أن مؤسسات بنكية مغربية واكبت ذلك، واستقرت داخل بعض البلدان الإفريقية، بالإضافة إلى مبادرات اقتصادية واجتماعية وإنسانية مافتئ جلالة الملك يقدمها لشعوب القارة، وأيضا الدينامية الديبلوماسية المغربية المسجلة في السنوات الأخيرة وسط المحافل الإقليمية الإفريقية، وكل هذا يجسد اختيار المملكة تثمين صورة أخرى لإفريقيا غير صورة الحروب والمآسي، والتطلع إلى تقوية إمكانات النهوض بتنمية القارة، والدفاع عن أمن بلدانها واستقرارها ووحدتها الترابية.
اليوم، تعززت هذه الدينامية بمبادرة إعلامية مغربية تستحق فعلا التشجيع والتنويه، وهي تكشف عن وعي يتنامى داخل مقاولاتنا الصحفية أيضا بأهمية اقتحام مجالات وآفاق وأسواق أخرى من أجل النمو، ومن أجل الانتقال بالمغرب إلى دور إقليمي جوهري داخل مختلف ديناميات القارة الإفريقية.
المبادرة الأولى تعود لصحيفة «ليكونوميست» ومجموعة إيكوميديا المغربية، التي أعلنت عن إطلاق صحيفة «ليكونوميست بوركينا» الأسبوعية التي ستتخذ من العاصمة واغادوغو مقرا لها، وهي بذلك ستكون أول مقاولة صحفية مغربية تستثمر في الإعلام بالقارة السمراء، وستخوض بذلك مرحلة جديدة من الانفتاح على محيطها الخارجي.
وتتجسد المبادرة الثانية في الاختيار المضموني والإخراجي الجديد الذي أعلنت عنه منذ أيام الصحيفة اليومية المغربية «ليزيكو»، وهي تدخل اليوم مرحلة جديدة تتميز بتعديل تسميتها «إيكو»، وتحولها إلى صحيفة تعنى أساسا بالقضايا الاقتصادية والمالية، وتهتم بنشر وتحليل الخبر الاقتصادي، بالإضافة إلى أنها هي الأخرى تقدم لقرائها دفترا يعنى بأخبار وقضايا فرص الاستثمار بدول إفريقيا وجنوب الصحراء، إلى جانب دفاتر وملاحق موضوعاتية أخرى على امتداد الأسبوع.
المبادرتان معا، وبقدر ما تفرضان أن نتمنى النجاح فيهما للزملاء في «ليكونوميست» وفي «ليزيكو»، فإنهما تنبهان إلى قدرة المقاولات الصحفية المغربية ومهنيي الإعلام المغاربة على اقتحام مجالات جديدة للتطور، وأيضا إنجاح مشاريع إعلامية مغربية تتجاوز الحدود الوطنية لتروج صورة مشرقة للبلاد، وهذه خطوة تستحق الدعم، وأيضا الانتباه من أجل التفكير، بشكل أعمق، في الحضور الإعلامي للمملكة عبر العالم، على الصعيد المغاربي مثلا، وداخل البلدان العربية، وفي أوربا وسط الجاليات المغربية وغيرها.
الإعلام يصنع في عالم اليوم المواقع ويحمي المصالح ويؤسس الصور والتمثلات، ومن ثم لابد لبلد مثل المغرب أن يحضر ويفعل على هذا المستوى دفاعا عن مصالحه وإشعاعا لصورته ولتميز مساراته الديمقراطية والتنموية والمجتمعية.

[email protected]

Top