إصلاح القضاء

تعتبر الخطوة التي أقدمت عليها وزارة العدل والحريات، من خلال نشر لائحة بأسماء القضاة الذين شملهم التأديب من لدن المجلس الأعلى للقضاء،

خطوة غير مسبوقة، وتستحق التنويه لأنها تؤسس للشفافية وتمكين المواطنات والمواطنين من الاطلاع على شؤون قطاع كثير الحساسية، ويرتبط بشكل كبير بحياتهم وحقوقهم.
إن حساسية قطاع العدل ودوره المركزي في البناء الديمقراطي للبلاد يجعلان من إصلاحه وتأهيله أولوية الأولويات في كل مسلسل للتغيير، ولتقوية الديمقراطية وأسس دولة القانون والمساواة بين المواطنين، ولهذا، فنشر القرارات التأديبية الخاصة بالقضاة على الموقع الإلكتروني للوزارة يمثل إشارة أولى في غاية الأهمية، ويجب استتباعها بإشارات وقرارات أخرى من شأنها أن تجعل إصلاح العدالة واقعا ملموسا على الأرض ويحسه الناس في معاملاتهم اليومية.
وبقدر ما لا يمكن إطلاق أي حكم متسرع، والقول بأن القطاع لا يضم سوى المرتشين والفاسدين، ذلك أن هؤلاء ليسوا إلا أقلية يجب الحرص المستمر على إعمال القانون في حقها، فإنه أيضا لا يمكن إغفال وجود عدد كبير من القضاة ومهنيي العدالة يتسمون بالاستقامة والمسؤولية، وهؤلاء يستحقون الإنصاف والتقدير ورد الاعتبار، ماديا واجتماعيا ومهنيا ومعنويا.
وفي السياق نفسه، فإن استشراء الفساد والرشوة في أسلاك القضاء، ولو من خلال عدد محدود من القضاة، يساهم ليس فقط في تعطيل مصالح الناس، وحرمان هذا من حقه، وتمتيع ذاك بالإفلات من العقاب بالرغم من تورطه، ولكن أيضا في تعريض صورة البلد بكامله إلى الاهتزاز، ودفع المستثمرين والسياح إلى الهروب من بلد يفتقد إلى قضاء نزيه وكفؤ وذي مصداقية.
واعتبارا لما سلف، فإن خطوة نشر قرارات المجلس الأعلى للقضاء يجب أن تكون فقط الأولى من نوعها، وليست الأخيرة، حيث أن المطلوب هو اتخاذ قرارات أخرى في إطار تقوية التخليق والشفافية داخل القطاع، والأهم هو الشروع اليوم في تفعيل خطة وطنية شمولية محددة الإجراءات والمدى الزمني بغاية إصلاح حقيقي للعدالة في بلادنا، وبهدف الوصول إلى استعادة هيبة القضاء المغربي، وتمتين ثقة المغاربة وكافة المتقاضين في المحاكم المغربية…
الآن جاءت الخطوة الأولى من خلال نشر القرارات التأديبية وأسماء المخالفين وسبب العقوبة الصادرة في حقهم، وهذه خطوة مهمة لتكون، على الأقل، عبرة للآخرين، ودليل حرص البلد على جعل قضائه فوق الشبهات، ولكن المطلوب اليوم هو تنزيل خطة شمولية تروم الإصلاح الجدري لعدالتنا، وجعل منظومتنا القانونية والقضائية منسجمة مع المحددات الديمقراطية، ومقومات دولة القانون والمعايير الكونية لحقوق الإنسان.
[email protected]

 

Top