مانديلا

خيم الحزن على العالم كله إثر إعلان وفاة الزعيم الجنوب إفريقي الكبير نيلسون مانديلا، وتهاطلت التعازي وكلمات الرثاء والأسى من مختلف أرجاء الكون، ونكست الأعلام في أكثر من بلد، وتوقف الجميع عند حجم الرزية وقساوة الفقد…
تذكرنا نحن المغاربة أن الراحل كان قد زار بلادنا أكثر من مرة، وتذكرنا أنه لم ينس ما تلقاه من المغاربة من دعم سياسي ومادي لكفاح شعبه ضد سياسات الميز العنصري، وتذكرنا أنه في التسعينات جاء للتعبير عن شكره وامتنانه، وتم توشيحه وقتذاك بوسام من طرف جلالة الملك.
تذكرنا أيضا أن أجيالا من المناضلات والمناضلين داخل الأحزاب التقدمية ومنظماتها الشبيبية انهمكت لسنوات في التوقيع على العرائض والمناشدات للمطالبة بالإفراج عنه من سجون نظام الأبارتهايد الذي قضى فيه أزيد من ربع قرن، وكانت تساهم في مختلف المبادرات والتظاهرات، محليا ودوليا، للتضامن مع كفاح شعب جنوب إفريقيا ونضالات المؤتمر الوطني الإفريقي من أجل الحرية والعدل والسلم والكرامة.
لقد مثل نضال نيلسون مانديلا ورفاقه لأجيال من المغاربة، وأيضا في مختلف  البلدان الإفريقية والعربية، نبراسا وقدوة، واستلهاما للصمود والتحدي من أجل الحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، كما أنه بعد الإفراج عنه، وإسهامه الكبير في التأسيس للدولة الديمقراطية الحديثة في جنوب إفريقيا وانتخابه رئيسا للبلاد، اختار أن يؤسس للمصالحة، وعمل من أجل توحيد بلاده، جنوب إفريقيا، وترسيخ التصالح والعيش المشترك بين البيض والسود خلال مرحلة ما بعد نظام الفصل العنصري، وفي ذلك، كان أيضا مثالا ونموذجا لا زالت تستحضره إلى اليوم الكثير من الشعوب والبلدان.
مانديلا كان النموذج في صموده، وكذلك كان أيضا عندما اختار طريق المصالحة الوطنية، وبذلك كسب احترام العالم، وحب ملايين البشر، وبقيت صورته إلى اليوم مقترنة بصفات التواضع الإنساني والترفع عن المصالح الذاتية من أجل المصلحة العليا لشعبه وبلده.
العالم خسر اليوم، برحيل نيلسون مانديلا، قامة كبرى في النضال الوطني والديمقراطي للشعوب من أجل الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، وفقد  قائدا كبيرا استلهمت كثير من الشعوب والحركات التحررية صمودها من صموده، وستبقى سيرته درسا لا يموت، وستقرؤه الشعوب دائما بكثير من الإعجاب والتقدير.
[email protected]

Top