لارام وحقوق الإنسان

اتفاقية الشراكة التي وقعها المجلس الوطني لحقوق الإنسان مع شركة الخطوط الجوية الملكية المغربية بغاية الارتقاء وإشاعة ثقافة حقوق الإنسان، تستحق الاهتمام، لكونها أحد تجليات هذا التحول العام الذي تشهده بلادنا.
لم تعد المادة الحقوقية هنا فقط موضوع مطالب وترافعات ومناشدات أو تنديدات بالانتهاكات والتجاوزات، وإنما هي أيضا  تمثلات ثقافية وتدبيرية الهدف منها  جعل القيم والممارسات والسلوكات والبرامج والخطط مقترنة بحقوق الإنسان وداعمة لها ومستحضرة لشروطها.
لارام التي تصل إلى أزيد من ثمانين وجهة عبر العالم، وتقل أكثر من 6 ملايين مسافر كل سنة من جنسيات وأديان مختلفة، ستتيح لها هذه الشراكة، وستفرض عليها أيضا، أن تنقل صورة ايجابية عن المملكة من حيث انفتاحها واحترامها للآخر، كما ستعرف بالمنجز الحقوقي والديمقراطي المغربي.
الشراكة ستمكن كذلك مستخدمي الناقل الجوي الوطني من التكوين وإنماء المهارات في ميدان حقوق الإنسان والقيم الكونية ذات الصلة، كما ستوفر للشركة أدبيات وإصدارات ووثائق، وكل هذا سيساهم في تقوية حضور ثقافة حقوق الإنسان ضمن خدمات الشركة وفيما بين مستخدميها وعلى صعيد علاقة الشركة بزبنائها وفي الإشعاع الذي تقوم به لفائدة المملكة.
لقد سبق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان أن باشر حوارا هاما مع أرباب العمل ضمن الشراكة التي تجمعه مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب، و بمساهمة القطاعين العام والخاص والمركزيات النقابية ومنظمات المجتمع المدني، وذلك حول موضوع(حقوق الإنسان والمقاولة بالمغرب)، وكانت تلك الدينامية قد أفضت إلى الاتفاق على إعطاء الأولوية لحقوق الفئات الضعيفة مثل: الأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة، قضايا التمييز ضد المرأة، تشجيع المقاولات على إدراج مقاربة حقوق الإنسان في استراتيجيات إدارتها من خلال الآليات الموجودة داخل المقاولة.
وبناء على ما سبق، فان انخراط لارام ضمن هذا الأفق اليوم من شأنه أن يمكنها من إدماج المقاربة الحقوقية في اشتغالها الداخلي، ذلك أن حقوق الإنسان بالنسبة للشركات والمقاولات لا تعني المساهمة في تنظيم الأنشطة والندوات وحملات التواصل، وإنما تعني أساسا تمثل قيمها على مستوى العمل اليومي للشركة، أي في منع تشغيل الأطفال مثلا، وفي الامتناع عن ممارسة التمييز ضد النساء في العمل أو في الأجر وإعمال آليات لتحقيق المناصفة في مواقع المسؤولية، ثم عدم التمييز كذلك ضد المهاجرين والمستخدمين الأجانب، وفي اعتماد كوطا لتشغيل الأشخاص في وضعية إعاقة…
كما يعني الانخراط المشار إليه تطوير منظومة(المقاولة المواطنة)من خلال الاهتمام بمحيط الشركة، والمساهمة في تحسين أوضاع الساكنة المجاورة لمقراتها، ووضع برامج لحماية البيئة، وتفعيل مخططات وبرامج للتدريب والتكوين في مجال حقوق الإنسان لفائدة المستخدمين، بمن فيهم المسؤولون داخل الشركة…
كل هذا يؤكد إذن أن إعلان المقاولات عن الالتزام بحقوق الإنسان هو تعبير عن الاستعداد لتفعيل برامج عملية ومنظومات واضحة ومتكاملة للتدبير والتكوين، وليس مجرد مجاراة لموضة مثلا، ولهذا فانخراط لارام اليوم في هذه الدينامية، وهي المقاولة المغربية الكبرى، يعتبر خطوة مهمة لابد من إنجاحها بواسطة الأفعال والمبادرات الملموسة، خاصة أن في ذلك أيضا وفاء بالتزامات المغرب الدولية، ولتوصيات الهيئات الأممية ذات الصلة.

Top