من مجلس المستشارين

الأجواء التي شهدتها الجلسة الأسبوعية الأخيرة للأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين مثيرة للأسف فعلا، وهي أيضا باعثة على القلق. ما معنى إصرار برلمانيين على تحويل جلسة الأسئلة المخصصة لمراقبة عمل الحكومة، والمؤطرة بقوانين وأنظمة ومساطر، إلى واجهة للتعبير عن التضامن مع مواطن بدعوى تعرضه للتضييق من لدن جهة حكومية؟
هل المؤسسة التشريعية معنية أولا بمثل هذا الفعل(النضالي)؟ وهل يجوز ثانيا التدخل، بالتضامن، في ملف جاري التداول فيه قضائيا، بغض النظر عمن له الحق بشأنه؟ وحتى عندما يتحقق لدى فريق برلماني الاقتناع بصحة ما يدعو إليه، ولو تجاوزنا صلاحيات الغرفة البرلمانية، فهل يحق لهذا الفريق فرض اقتناعه وتضامنه على الفرق الأخرى المكونة لمجلس المستشارين؟
المؤكد أننا فعلا كنا أول أمس الثلاثاء أمام فعل شارد نجح في إرباك سير جلسة دستورية في المؤسسة التشريعية، واستطاع أن يقدم لشعبنا ولكل المراقبين صورة مثيرة للحسرة والشفقة عن مستوى بعض(ممثلينا).
لقد صارت فرق معارضة  تبحث عن أي شيء ولو مما تنشره الصحف والمواقع الالكترونية، وأحيانا حتى من دون التحقق من صدقيته، وتحمله إلى داخل القبة البرلمانية، وتعتبره سؤالا أو موضوع إحاطة عاجلة، أو ببساطة قضية وطنية لابد أن تتوقف كامل المؤسسة لتنصت إليه وتهتم به، وفي الغالب أن تنصت فقط إلى عارضيه، دون أن تمنح الحكومة حق الرد أو التوضيح، وتحولت هذه السلوكات إلى ممارسة منظمة باتت هي المعنى الوحيد للسياسة أو المعارضة لدى من يكرسها .
قبل ذلك، صار الجدل حول قضية(الإحاطة علما)بمثابة معركة وطنية لدى بعض المعارضين، وأحيانا يستغرب المرء لحجم السطحية التي ترافق الحديث حول هذا الموضوع، ذلك أن الكثيرين ينسون مثلا أن نقاشا من أجل تدقيق هذه المادة جرى منذ سنوات، وسبق لوزير سابق للعلاقات مع البرلمان(هو الأستاذ محمد سعد العلمي)أن تقدم باجتهاد مكتوب بهذا الخصوص، وكان دائم التدخل والتعقيب بشأن ذلك، كما أن البعض يتعمد الخلط بين هذه الإحاطات وبين الأسئلة المبرمجة ضمن الجلسة الأسبوعية، والتي هي موضوع النقل التلفزيوني…
وفي غياب حوار العقل، صارت(الإحاطات)كما لو أنها هي المرادف للحرية، وأن عدم نقلها عبر التلفزيون هو القمع والتكميم و….الإرهاب حتى…
انظروا إذن كيف جرى اعتقال مجلس المستشارين، وكيف أجبر على أن يكون شغله الشاغل هو نقل الإحاطات عبر التلفزيون، أو تحويل جلساته إلى منابر للخطابة السياسوية أو للتضامن مع الجميع من طرف الجميع، وربما قد تتطور الأشياء ليصير من حق المستشارين الوقوف من مقاعدهم وتنظيم مسيرات احتجاجية حول جنبات القاعة، أو إقامة تجمعات خطابية تحت القبة…
لم يسجل المواطنات والمواطنون منذ انطلاق دورة أريل الحالية مثلا، أن الغرفة الثانية تألقت عبر الاهتمام بقضية مركزية تهم شعبنا وبلادنا، وبالتالي تمكنت من جعل هذا الاهتمام موضوعا إعلاميا وسياسيا بارزا ضمن الاهتمام المجتمعي العام.
الموضوع يستحق فعلا أن تتحمل اليوم كافة مكونات مجلس المستشارين والأحزاب والنقابات والسلطات المركزية ذات الصلة مسؤوليتها بخصوصه، وذلك لوقف الانحدار، ودفاعا عن صورة المؤسسات في بلادنا.

Top