مبادرة ايجابية لإدارة الأمن

التعليمات التي راج أن المديرية العامة للأمن الوطني عممتها على كافة عناصرها ومصالحها المركزية واللاممركزة، والمتعلقة بضرورة التقيد التام بأحكام مدونة قواعد السلوك الخاصة بموظفي الأمن الوطني، مع التركيز بشكل واضح على المقتضيات المتعلقة بالنزاهة والاستقامة والشرف والقطع النهائي مع كل الأفعال التي تندرج ضمن جرائم الفساد الإداري، تستحق فعلا الانتباه لأنها تتطرق إلى موضوع في غاية الأهمية، وهو أنه بالإمكان تحقيق الأمن، وفي نفس الوقت احترام القانون وتفادي الشطط في استعمال السلطة أو الاعتداء على كرامة الناس وحرياتهم.
يرتبط السؤال اليوم في العمق بجدلية كبيرة وذات امتداد، وهي تعني إيجاد الأسلوب الكفيل مثلا بتوفير الأمن للمواطنات والمواطنين وصيانة استقرار المجتمع، وفي ذات الآن احترام القانون من لدن الموظفين الموكول لهم تنفيذه، ثم إيجاد الأساليب والمساطر والآليات التي من شأنها  تمكين بلادنا من الانتصار على الإرهاب لكن في ظل احترام القانون وصيانة حريات المغاربة وانفتاحهم، وأيضا تثبيت الأمن والاستقرار في كافة أقاليم المملكة، بما في ذلك الأقاليم الجنوبية، واحترام دولة المؤسسات والقانون، وفي نفس الوقت تعزيز الديمقراطية وحرية التعبير وعدم المس بالقانون وبكرامة الناس…
هذا هو الموضوع الهام في هذه الجدلية المشار إليها، وهذا ما تحيل عليه خلفيات التعليمات الصادرة اليوم عن المديرية العامة للأمن الوطني لكافة مصالحها، وهو ما يجب أن تقتدي به مختلف القطاعات والمصالح ذات الصلة بتطبيق القانون.
ولكن إنجاح هذا التوجه يفرض تكوينا وتداريب لفائدة الموظفين المعنيين، ذلك أن هيئات ومنظمات ومراكز خبرة موجودة في بلدان متقدمة، تمتلك المهارات والمعارف بهذا الشأن، ويمكن الاستفادة منها لتفعيل مخططات وبرامج للتكوين، بما يسمح بتأهيل موظفي الأمن وغيرهم، وأيضا تحصينهم من التورط في التجاوزات لمقتضيات القانون وحقوق الإنسان.
وفضلا عن التكوين، لابد كذلك من امتلاك منظومة ناجعة ومتكاملة للمراقبة والتأديب، تعتمد المتابعة المستمرة لعمل هؤلاء الموظفين، وتتوفر لها خطط الوقاية والبرامج الاستباقية، إلى جانب الإجراءات الزجرية والتأديبية، وذلك من أجل فرض  قيم النزاهة والشرف المهني، ومحاربة الفساد واستغلال النفوذ، وجعل السلوك المهني ينسجم مع القانون.
إن المديرية العامة للأمن الوطني التي  تؤسس لانخراطها في هذه الدينامية المتطلعة إلى تمتين الاستقامة بين موظفيها، وتقوية قناعتهم بالقانون، وتروم فرض احترام كرامة الناس وعدم الاعتداء على حرياتهم من لدن المخول لهم تحقيق الأمن، يجب أن تضيف إلى كل هذا ضرورة انفتاحها على المجتمع ، وتعزيز سياستها التواصلية مع وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني، ومع كافة المواطنات والمواطنين ضمن سياسة أمنية جديدة مبنية على القرب، وعلى الالتزام بالقانون.
البداية جيدة، لكن لا يجب الوقوف في منتصف الطريق أو عند النوايا الطيبة.

[email protected]

Top