من أجل مواجهة العنف

نجح اللقاء الدراسي الهام الذي أشرفت عليه جمعية «سلا المستقبل» أول أمس السبت  في إثارة عديد قضايا تتعلق بالعنف المجتمعي،

وباستفحال هذه الظاهرة سواء داخل المؤسسات التعليمية أو الملاعب الرياضية أو الساحات العمومية أو مراكز التجمعات السكنية، كما طرح المسؤولون، وأيضا الخبراء والمختصون في قضايا الشباب والمجتمع، الذين شاركوا في المناظرة، مجموعة من التساؤلات تتمحور حول تعريف العنف، وتحديد مفهوم العنف المجتمعي، والعنف المدرسي، والعنف الرياضي، والعنف ضد المرأة، وآليات الرصد والتتبع، واستراتيجيات الوقاية من العنف، ودور المجتمع المدني والوساطة.
الموضوع يثير، بالإضافة إلى كل ما سبق، إشكالية تباين التقدير بين السلطات الأمنية وباقي السلطات والمؤسسات بخصوص واقع وحجم الجريمة في بلادنا، فبينما يؤكد الأمنيون أن نسبة الجريمة في المغرب تبقى متدنية جدا مقارنة مع المعدلات العالمية، تكشف سجلات المحاكم مثلا ارتفاع القضايا المتعلقة بظاهرة العنف والمعروضة على المحاكم خلال السنوات الماضية، حيث أن عدد القضايا الزجرية التي عرضت على العدالة ما بين سنة 2000 و2010 بلغت 15 مليون واقعة، بمعدل مليون ونصف مليون واقعة في السنة.
ومن جهة أخرى، فإن الإحساس بعدم الأمن صار اليوم واضحا وسط السكان في مدن مختلفة، وخصوصا في التجمعات السكانية الكبرى والمتوسطة، كما أنه بالرغم من ضعف مستويات الجرائم الكبرى في بلادنا، فان تفاقم الجرائم الصغرى، وما تخلفه من ضحايا، جعل الظاهرة وحدها بمثابة جريمة كبرى، والتفسير الحقيقي لتنامي الإحساس بعدم الأمن.
بالفعل، تبقى المقاربة الزجرية والأمنية غير كافية لوحدها رغم أهميتها وحاجة المجتمع لتفعيلها، ولكن الناس يريدون الإحساس بالأمن على سلامتهم وممتلكاتهم وأعراضهم وأمن أسرهم، وذلك في المنازل وفي الشارع وفي وسائل النقل ومقرات العمل، أي الإحساس بعمل مصالح الأمن على ارض الواقع وبشكل ملموس وقريب منهم.
وفي نفس الإطار، فان المقاربة الزجرية يجب أن يندرج تفعيلها ضمن منظومة متكاملة تقوم على إصلاح القوانين والتشريعات والمساطر، وخصوصا على مستوى السياسة الجنائية وغيرها، وذلك بما يزاوج بين النجاعة الأمنية واحترام مقتضيات دولة القانون.
يعني هذا أن مشكلات العنف المستشري في المجتمع، وتزايد الاعتداءات على المواطنين بالإمكان إيجاد حلول لهما، متى تم إعمال مقاربة شمولية والتقائية، وشارك أيضا مختلف المتدخلين في التخطيط والانجاز والمتابعة.
اليوم، أوساط متعددة من المغاربة في مناطق مختلفة تشتكي من تفاقم الجرائم والاعتداءات، وليس الحل في التغطية على ذلك بترديد أرقام ونسب ومعادلات غارقة في التجريد والمقارنات التي لا معنى لها، وإنما الحل في الإنصات لهذه الشكاوى، والبحث في تفاصيلها، والانطلاق منها كمعطيات واقعية للعمل الملموس من أجل توفير الأمن للناس.
ويبقى أن لوسائل الإعلام والمدرسة والمساجد بدورها مسؤولية في مواجهة الظاهرة والتعبئة لإيجاد الحلول الوقائية لها، علاوة طبعا على الدور المهم لمنظمات المجتمع المدني وجمعيات الأحياء، التي من المفروض إشراكها في صنع استراتيجيات الوقاية والرصد والتحسيس والتوعية.

[email protected]

 

Top