«أنتم هنا في ما يشبه ميتم آلات البيانو»

جامع فرنسي شغوف
يجلس أستاذ الموسيقى الفرنسي جان جود بين آلات بيانو تعود إلى حقبات زمنية مختلفة تؤرخ على عهود ذهبية لهذه الآلات التي باتت اليوم مكدسة في مكان يحلو لصاحبه أن يسميه “ميتم” آلات البيانو. وللوصول إلى هذا المكان، ينبغي سلوك ممر يرتفع في آخره باب خشبي صغير، ومن ثم المرور بين الأغطية البلاستيكية لهذه الآلات التي انتهى بها المطاف عند جامع شغوف، يجلس مع هرته، ويداعب آلاته مخرجا منها أنغاما تعيد السامع إلى أزمان ماضية. ويقول هذا الأستاذ البالغ من العمر 63 عاما “انتم هنا في ما يشبه ميتم آلات البيانو”. ويضيف “في السبعينات والثمانينات كان الناس يستخدمون هذه آلات كجزء من الأثاث، وكثير من الآلات التي اشتريتها بأسعار بخسة كانت قد انتهى بها المطاف لاستخدامات الحانة أو المكتب أو المكتبة”.
وقد جمع جان جود 150 آلة، منها خمس آلات مصنفة أثرية: بيانو “كليمنتي” يعود إلى العام 1820، وبيانو كبير “باب” يعود إلى العام 1836، وثلاث من تصنيع بلييل، منها اول الة من هذا الطراز صنعت في العام 1820، وآخر كان يستخدم في العروص الموسيقية وهو مصنوع في العام 1843، والخامس مربع يعود للعام 1825. أما الالة الاقدم عمرا في هذه المجموعة فهي تعود الى العام 1782. وقد أعار جان جود لمعرض “اوزون لا فرانس” الذي أقيم بين الرابع والتاسع من الشهر الجاري لعرض الإبداعات الفرنسية، بيانو من صنع “بلييل” أيضا، يعود إلى العام 1855
ويقول جان جود وهو يقرع بعض النغمات على هذا البيانو “انه قطعة فريدة صنعت خصيصا للمعرض العالمي في باريس عام 1855، وقد شاهده تسعة ملايين زائر، وكتبت عنه الصحافة كثيرا آنذاك، وما زال صوته جيدا”.  بدأ أستاذ الموسيقى هذا جمع آلات البيانو في العام 1970. ويقول “أنا ابن عائلة لم تكن تملك ثمن شراء آلة بيانو، ونشأت على فكرة أن الحصول على هذه الآلة أمر مستحيل لا ينبغي التفكير فيه”.
في العام 1968 بدأ دروسه الأولى في عزف البيانو مع أستاذة عجوز، ومنذ ذلك الحين بدأ بادخار المال لشراء آلة خاصة به، ليعزف عليها بمهارة تحاكي مهارة أستاذته قطع موزار. وأخفى ذلك عن والديه. وحين اشترى أول بيانو فعلا، كلفه ذلك تأنيبا من والديه، لكن هذا الأمر لم يثنه عن شغفه، فصار يجوب دور العروض ويشتري الة البيانو تلو الأخرى.
واليوم، يعير جان جود آلاته لمن يحتاج إليها من فنانين يرغبون في الحصول على صوت آلات يحاكي أصوات الآلات القديمة في التسجيلات الأصلية. وباتت عروض شراء هذه الآلات تنهال عليه، ومنها عروض بأسعار عالية، لكنه يقول “مع أن عروضا مغرية قدمت إلي، إلا أني لست مستعدا نفسيا للانفصال عن أي من آلاتي هذه”. في المقابل، يحلم جان جود بأن ينشئ متحفا للبيانو، يعرض فيه مجموعته ويروي لزواره حكاية كل آلة من آلاته.

Top