اعتبر سعيد أقداد، نائب رئيسة المركز الدولي للديبلوماسية، وهي هيئة مدنية مستقلة تعنى بالشؤون الديبلوماسية العامة والعلاقات الدولية ويوجد مقرها المركزي بالرباط، أن الهدف من زيارته لدولة فلسطين (من 13 إلى 20 يونيو 2016)، رفقة رئيسة هذا المركز، لا يتمثل فقط في التضامن المباشر مع القضية الفلسطينية، وإنما في الاطلاع عن كثب على أوضاع الشعب الفلسطيني والوقوف على مختلف أشكال مواجهاته اليومية للاحتلال الإسرائيلي الغاشم.
وأكد أقداد، في حوار مع جريدة ” بيان اليوم”، أن مثل هذه الزيارات ضرورية ومطلوبة من قبل القوى الحية للشعب الفلسطيني، من حيث أنها تشكل دعما قويا لهذا الشعب الأبي ضد الاحتلال الإسرائيلي، وتسهم في فك الحصار الظالم المفروض عليه، ورفع معنوياته، موضحا أن برنامج الزيارة، كان مكثفا ومتنوعا، سواء من الناحية السياسية أو الجانب الثقافي، وتميز بعقد لقاءات مهمة مع عدد من كبار المسؤولين الفلسطينيين حول تطورات القضية الفلسطينية في مختلف أبعادها.
وأكد أن هذه الزيارة شكلت مناسبة لدراسة مشاريع شراكات مع هيئات مدنية وسياسية وثقافية فلسطينية، من أجل تبادل الخبرات، وتقوية تقنيات الترافع الشبابي على المستوى الديبلوماسي، والدفاع عن القضية الفلسطينية، خصوصا وأن هناك محاولات لعدم إدراج القضية الفلسطينية ضمن أولويات الأجندة الدولية، بل وحتى لإبعادها عن صدارة اهتمامات الشعوب العربية، ولاسيما في ظل التشرذم العربي، من جهة، والصراعات الفلسطينية الفلسطينية، من جهة أخرى. وفيما يلي نص الحوار.
> ما هو السياق العام لزيارتكم لفلسطين؟
> زيارتي لدولة فلسطين، رفقة الأستاذة كريمة غانم، رئيسة المركز الدولي للديبلوماسية بدعوة من مكتب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، تندرج في إطار الديبلوماسية الموازية الشعبية أوالعامة. وقد جاءت هذه الزيارة بمبادرة من المركز الدولي للديبلوماسية، وهو، كما أسلفت، منظمة مدنية مستقلة تعنى بالشؤون الديبلوماسية العامة على الصعيدين الوطني والدولي، وبتنسيق مع كل من سفارة دولة فلسطين بالرباط ووزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربية.
وللإشارة، فقد دخلنا الأراضي الفلسطينية (أريحا، أولا)، بعد رحلة طويلة وشاقة، عبر جسر الملك حسين (الأردن)، مرورا بأحد معابر الاحتلال الإسرائيلي، الذي عاينا فيه مدى الإرهاب النفسي والمعاناة الجسدية جراء طول الانتظار والمعاملة السيئة من قبل جنود الاحتلال الصهيوني.
> ماهي أهداف هذه الزيارة؟
> الهدف الأساسي من هذه الزيارة هو التعبير المباشر عن تضامننا مع الشعب الفلسطيني الصامد وقواه الحية المناضلة، والاطلاع عن كثب على الأوضاع في الأراضي الفلسطينية والوقوف على مختلف أشكال صمود الشعب وسلطته الوطنية في المواجهة اليومية، العسيرة والبطولية، للممارسات القمعية والإجراءات الاضطهادية، من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي الغاشم. كما يتمثل الهدف الساسي من هذه الزيارة في إبراز مدى أهمية العمل على فك الحصار الظالم المفروض على الشعب الفلسطيني، علما بأن ممثلي كل الهيئات الرسمية والمدنية التي تهيأ لنا عقد لقاءات عمل معهم، يؤكدون ويلحون على الإكثار من مثل هذه الزيارات التضامنية التي تشكل سندا قويا لهم، وتزيد في رفع معنويتهم وشحذ هممهم، وتساعدهم على البقاء والوقوف في وجه المحتل.
> ماذا عن برنامج الزيارة؟
> بالنسبة لبرنامج الزيارة، فقد كان مكثفا ومتنوعا، سواء في جانبه الثقافي أو بعده السياسي. فقد انطلق البرنامج باستقبالنا من طرف وكيل وزارة الخارجية الفلسطينية الدكتور تيسير جردات، حيث تطرقنا معه لآخر تطورات القضية الفلسطينية ومآل المفاوضات مع الكيان الإسرائيلي. وكان اللقاء مناسبة للتعبيرعن موقفنا ومساندتنا للقضية الفلسطينية، كما استحضرنا الدور الذي يمكن أن يؤديه الشباب من أجل الدفاع والترافع عن القضية الفلسطينية، كسفراء لهذه القضية العادلة، في المحافل الدولية، سواء كان الوفد الفلسطيني حاضرا في هذه الفضاءات الدولية أم لا. بعد ذلك، عقدنا لقاء مهما مع مستشار رئيس الدولة الفلسطينية الدكتور حسام زملوط، المستشار في الشؤون الاستراتيجية والسياسية.
عقدنا، أيضا، لقاءات مع كل من الدكتورة ليلى غنام، محافظة مدينة رام الله البيرة، واللواء أكرم الرجوب، محافظ مدينة نابلس، واللواء جبريل البكري، محافظ مدينة بيت لحم، المدينة التي ولد فيها المسيح عليه السلام، والتي تعكس صورة رائعة للتعايش الإنساني بين المواطنين الفلسطينيين بصرف النظر عن معتقداتهم. كما زرنا كنيسة المهد، ومسجد عمر بن الخطاب، المقابل له، وكذا متحف بيت لحم، و”جامعة النجاح”، حيث استقبلنا الدكتور ماهر النتشة القائم بأعمال رئاسة هذه الجامعة (التي يتولى رئاستها الدكتور رامي الحمد الله، رئيس الحكومة الفلسطينية)، و” جامعة بير زيت “، حيث عقدنا لقاء مع مدير ” معهد أبو اللغد للدراسات السياسية والدولية “، الدكتور عبد الكريم البرغوتي.
وحرصنا، من جهة أخرى، على زيارة ضريح الزعيم الفلسطيني الراحل الرئيس الشهيد أبو عمار ياسر عرفات، حيث وضعنا إكليلا من الزهور وتلاوة الفاتحة ترحما على روحه الطاهرة. وفي السياق ذاته، ما كان لنا لنغفل زيارة قبر من علمنا، ولا يزال في هذا المجال نبراسا لنا، أن ” على هذه الأرض ما يستحق الحياة”، الشاعر الراحل إلى قلوبنا، جميعا، محمود درويش.
وإلى ذلك، استقبلنا سفير المملكة المغربية في دولة فلسطين، محمد الحمزاوي، الذي وجدناه، دون مجاملة، ديبلوماسيا من طراز رفيع. وستظل أكثر اللحظات وقعا على القلب والوجدان، خلال مقامنا الطيب والمثمر في الأراضي الفلسطينية العزيزة، زيارة القدس الشريف، وخاصة مسجد الأقصى وأسواق القدس وحارة المغاربة، حيث استقبلنا وزير شؤون القدس عدنان الحسيني، في مكتب مدير المسجد الأقصى المبارك الشيخ عمر الكسواني.
وكان مسك ختام هذه الزيارة الميمونة، استقبالنا من طرف عباس زكي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، المفوض العام للعلاقات العربية وجمهورية الصين الشعبية، الذي استفاض في حديثه عن مجمل الأوضاع في دولة فلسطين، وآخر تطورات القضية الفلسطينية، ودور الشباب في الترافع عن هذه القضية والدفاع عنها، في مختلف المحافل الإقليمية والدولية. ونوه بالدعم الذي يقدمه المغرب للقضية الفلسطينية. وأشاد، على الخصوص، بمبادرة حزب التقدم والاشتراكية، التي كانت الأولى من نوعها، إلى زيارة دولة فلسطين، بدعوة من السلطة الوطنية الفلسطينية، خلال السنة الماضية (من 23 إلى 28 غشت 2015)، واصفا إياها بالإيجابية جدا. وهو الانطباع نفسه الذي لمسناه لدى كل المسؤولين الفلسطينيين الذين استقبلونا، حيث عبروا لنا عن تقديرهم لقيادة ومناضلي حزب التقدم والاشتراكية، الذي تشرفني عضوية لجنته المركزية.
> حدثنا عن بعض مظاهر معاناة الفلسطينيين كما عاينتموها؟
> المعاناة بصفة عامة، هي خلاصة حياة الإنسان الفلسطيني، الذي ما يزال يعاني من ممارسات الغطرسة الإسرائيلية، لكن رغم ذلك، تمكن الإنسان الفلسطيني بفضل نضالاته المستمرة منذ عدة عقود، أن يصبح رقما صعبا في معادلة الصراع مع المشروع الصهيوني، بعد أن استطاع بسواعده وبالحجارة فقط، تسجيل أعظم انتفاضة في وجه المحتلين خلال القرن العشرين. وتتجلى أكبر المعاناة، في تحكم الكيان الإسرائيلي في كل مناحي الحياة الاقتصادية الاجتماعية والثقافية.
> ما رأيكم فيمن يعتبر زيارة فلسطين تطبيعا مع الكيان الإسرائيلي؟
> لا أعتقد أن هذه الزيارات تدخل في إطار التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، كما يروج لذلك البعض. بالعكس، فالفلسطينيون أنفسهم، وأهل مكة أدرى بشعابها كما يقال، يشددون على ضرورة الاكثار بمثل هذه الزيارات لأنها في تقديرهم تقدم دعما ملموسا ومساندة قوية للشعب الفلسطينية وقواه الحية، تعزز صمودهم في وجه المحتل دفاعا عن قديتهم المقدسة ويجدر بالذكر في هذا المجال أن المناضلين الفلسطنيين يرددون كلما أثيرت هذه المسالة بان زيارة السجين هي زيارة للسجين وليست للسجان.
> ألا تفكرون كمنظمة شبابية في زيارة بلدان أخرى لدعم قضية الوحدة الترابية مثلا، وأيضا توجيه دعوات لوفود شبابية فلسطينية بالقدوم إلى المغرب؟
> طبعا، أكثر من ذلك، فبرنامج الزيارة يأتي في إطار برنامج المركز الدولي للديبلوماسية youthled exchange، الذي يتضمن زيارات أخرى، لبلدان بأمريكا اللاتينية وإفريقيا، من أجل الدفاع عن قضيتنا الوطنية وإبراز النموذج المغربي في التنمية وربط علاقات مع كل الهيئات التي تتقاسم معنا رؤيتنا لمجموعة من القضايا العادلة. وفيما يخص فلسطين، فالدعوة مفتوحة للهيئات المدنية والشبابية التي التي تتوافق أهدافها مع اهداف المركز لزيارة المغرب على غرار زيارتنا لفلسطين أهداف المركز للقدوم للمغرب.
كلمة أخيرة.
أغتنم هذه الفرصة لأوجه تحية شكر وتقدير لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربية، مكتب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، السفارة الفلسطينية بالمغرب، وسائر المسؤولين الفلسطينيين الذين يسروا لنا زيارة دولة فلسطين ولم يدخروا جهدا من أجل توفير أسباب نجاحها.
الزميل حسن عربي يحاور سعيد أقداد
تصوير: رضوان موسى