إصلاح تاريخي

أول أمس، تم الشروع في تطبيق الأسعار الجديدة لأزيد من ألف وخمسمائة نوع من الدواء، أي ما يعادل 30 في المائة من الأدوية التي يجري تسويقها في المغرب، وتراوح معدل تخفيض الأسعار بين 20 في المائة و80 في المائة، كما أنّ بيع الأدوية بأسعار الثمن العمومي «PPV»، سيخفّف على المواطنين الذين يقتنون الأدوية من المستشفيات عبء التنقّل من المدن البعيدة إلى الرباط، لاقتنائها في المستشفى الجامعي، أو الصيدليات المركزية، مثل صيدلية «الكنوبس»، وذلك بعدما صارت هذه الأدوية مُتاحة في جميع الصيدليات.
وبحسب وزير الصحّة، فان التخفيض الذي طال أسعار أزيد من ألف وخمسمائة نوع من الدواء، يتعلق فقط بالأثمان التي تباع بها الأدوية في الدول المقَارنة، بينما الأدوية الجديدة ستُباع بثمن أقلّ، وستسير أسعارها في اتّجاه التخفيض، مضيفا، في تصريحات صحفية نقلت عنه أمس، أنّ قرار تخفيض أسعار الدواء هو قرار سياسي اتخذته الحكومة من أجل تسهيل الولوج إلى الخدمات الصحية، وإلى الأدوية التي تشكّل 40 في المائة من النفقات المخصصة للقطاع الصحي، كما  لفت إلى أنّ القرار لم تتخذه الحكومة بمفردها، بل جاء بناء على توافق مع الفرقاء الاجتماعيين.
هذا إذن قرار عملي وملموس، وبالإضافة إلى أثره المادي والاجتماعي الواضح على المواطنات والمواطنين، وأيضا على ميزانيات الأسر، فهو يؤسس لبداية بلورة سياسة دوائية وصحية جديدة تستجيب لانتظارات فئات واسعة من شعبنا، ولهذا فقد كان وزير الصحة محقا عندما وصف يوم الشروع  في التطبيق ب» اليوم التاريخي».
إن قرار تخفيض سعر بيع الدواء في المغرب، وأيضا  نظام»راميد»، وباقي القرارات والخطوات على صعيد قطاع الصحة التي تهدف إلى محاربة الفساد وتجويد الحكامة وإعمال القانون، هي كلها قرارات وبرامج يجب أن تحضى بمساندة مختلف الفرقاء السياسيين والاجتماعيين ودعمهم، لأنها تتعلق بصحة شعبنا أولا.
هنا ممارسة المعارضة تكون بلا أي معنى، والمسؤولية تقتضي احتضان مثل هذه المبادرات الحكومية وإسنادها حتى تجد طريقها للتنفيذ على أرض الواقع، فهي في النهاية لن تحتسب إلا لفائدة شعبنا ومرضانا، ولصالح تنمية بلادنا.
الجميع اليوم يسجل بايجابية هذه الخطوات الحكومية في مجال الصحة، والجميع أيضا يصفق للوزير البروفيسور الحسين الوردي على كفاءته وصموده ومقاومته لمختلف اللوبيات والضربات، لكن مع ذلك لابد من تمتين جبهة الدعم والمساندة، وذلك من لدن البرلمانيين والمنتخبين المحليين والجمعيات الحقوقية والنقابات والأحزاب ووسائل الإعلام، بغاية تفعيل الاحتضان الشعبي والمجتمعي لهذه الدينامية الإصلاحية، وأيضا من أجل تنفيذ إصلاحات أخرى، وعلى رأسها تطبيق التغطية الصحية الإجبارية لجميع المواطنين والمواطنات، ثم النجاح في الوصول قريبا إلى تخفيض أسعار المستلزمات الطبية، والتي قال الوزير نفسه بأنها»تشوبها فوضى عارمة، حيث تباع في المغرب بأسعار تفوق ما تباع به في دول أخرى، مثل تونس، بما بين ثلاث أو أربع مرّات».
بمثل هذه الإصلاحات العملية الملموسة لن يبقى شعبنا يتلقى فقط الوعود بالإصلاح، وإنما سيلمس ذلك ويحسه في الواقع.

Top