الموضوع: الحالة المدنية
دأبت محكمة النقض المغربية، باعتبارها أعلى محكمة قضائية، مع افتتاح كل سنة قضائية، عن الإعلان عن اجتهادات جديدة.
وفي هذا الإطار، أصدرت محكمة النقض في السنوات الأخيرة، مجموعة من القرارات، تخص مواضيع مرتبطة بضمانات المحاكمة العادلة والحق في الدفاع وحماية المال العام، وحماية الحق في الصحة والتعليم وضمان الأمن الأسري وحماية المصلحة الفضلى للطفل؛ ناهيك عن تكريس الأمن التعاقدي والتجاري والعقاري وإيجاد التوازن في علاقات الشغل وقضايا التأمين، وضبط مفاهيم هامة كحماية المستهلك وملك الدولة.
.وفي إطار التمييز بين الحق في ممارسة الحريات العامة وبين واجب الانضباط لشروط العمل، أيدت محكمة النقض قرار محكمة الموضوع التي اعتبرت مغادرة الأجيرة لعملها بعدما تم منعها من الدخول بسبب ارتدائها سترة للوجه داخل المؤسسة، ما يحول دون التحقق من هويتها ويخالف النظام الداخلي، مغادرة تلقائية وليس فيه أي تمييز أو خرق لحق دستوري.
وحماية للمال العام وضمانا للمساواة في مجال الصفقات العمومية، فقد اعتبرت محكمة النقض، أن آجال تنفيذ الصفقات، تشكل عنصرا أساسيا من العناصر المحددة لعروض المتنافسين في ولوج الطلبات العمومية أثناء إعداد تعهداتهم، وان عدم تنفيذها يمس بالأسس التي قامت عليها المنافسة. وفي نفس السياق وضمانا لحقوق المقاولات التي تتعامل مع المؤسسات من خلال الصفقات العمومية، فقد أيدت محكمة النقض الاتجاه الذي أعطى للمقاولة الحق في تسلم مستحقاتها من الوكالة صاحبة المشروع والتي لا تنكر تسلمها الأشغال موضوع النزاع واستفادتها منها، مستندة في ذلك على نظرية الإثراء بلا سبب.
وبنفس المقاربة الحمائية للمال العام، فقد اعتبرت محكمة النقض، أن رسوم المحافظة العقارية، رسوم شبه ضريبية لا إعفاء منها، إلا بنص القانون وأن إعفاء المكتب الوطني للسكك الحديدية من أداء الرسوم المتعلقة بالتقييدات، التي تجرى على الصك العقاري قياساعلى المادة 23 من قانون المالية لسنة 2005، يبقى غير مرتكز على أساس قانوني سليم. وتعميما للفائدة، سنعمل طيلة شهر رمضان الأبرك، على نشر يوميا أحد الإجتهادات القضائية لمحكمة النقض سواء في المادة الجنائية أو المدنية أو الإدارية بالإضافة لاجتهادات أخرى تخص بعض محاكم الاستئناف.
قانون جديد للحالة المدنية يجيز تغيير الجنس في المغرب
صدر بالمغرب مؤخرا قانون جديد يتعلق بالحالة المدنية، تضمن عدة مستجدات من بينها تنصيصه وفي سابقة على إمكانية تسجيل المواليد الجدد مزدوجي النوع الاجتماعي في سجلات الحالة المدنية، وعلى إمكانية تغيير رسم الحالة المدنية في حالة حدوث تغيير على جنسهم في المستقبل بمقتضى حكم قضائي.
القانون الجديد يضع حدا لحالة فراغ ظلت تعاني منه المنظومة القانونية بالمغرب مما أثر على وضعية هذه الفئة،ومن المأمول أن يفتح نقاشا مجتمعيا واسعا حول مراجعة عدة قوانين أخرى من بينها القانون الجنائي.
ملاحظات حول المادة 28 من مشروع قانون الحالة المدنية
نصت المادة 28 من قانون الحالة المدنية على أنه: “يدعم التصريح بولادة الخنثى بشهادة طبية تحدد جنس المولود، ويعتمد عليها في تحرير الرسم، وإذا حدث تغيير على جنس الخنثى في المستقبل فيغير بمقتضى حكم صادر عن المحكمة المختصة”.
أولى الملاحظات على صياغة المادة 28 من قانون الحالة المدنية تكمن في استعمال المشرّع لتسمية ” الخنثى”، من دون تقديم تعريف لهذا المصطلح الذي يبقى أقرب الى المجال الفقهي، بينما تبقى التسمية الملائمة هي الأفراد مزدوجو النوع، أو ذوو الجنس المزدوج أو حاملو صفات الجنسين كمصطلحات تستعمل في المجال الحقوقي؛
-أثناء مناقشة مشروع القانون الجديد أمام الغرفتين بالبرلمان، يلاحظ أنه تم التصويت على المادة 28 من المشروع من دون أي مناقشة أو تعديلات، ولا يبدو أنّ ثمة معطيات في الأعمال التحضيرية لقانون الحالة المدنية الجديد تفيد بأسباب القيام بهذا التعديل وسياقه وبالمرجعيات المعتمدة.
-اقتصر القانون الجديد على اشتراط الإدلاء بشهادة طبّية لتسجيل المواليد الجدد من حاملي صفات الجنسين، ولم يدقق في شروط وإجراءات عملية تصحيح الجنس في وقت لاحق، حيث اكتفى بالتنصيص على أن تغيير الجنس مستقبلا في حالة وجود تغيير يتمّ بحكم قضائي، وهو ما يعني إمكانية تصحيح الجنس بوقت سابق على صدور المقرر القضائي الذي يعتبر في هذه الحالة كاشفا للوضعية وليس منشئا لوضع جديد؛
-لم يحدد المشروع الجهة التي لها صلاحية تقديم طلب تصحيح الجنس أو النوع الاجتماعي في رسوم وسجلات الحالة المدنية. وبحسب القواعد العامة يمكن تقديم الطلب من طرف النائب الشرعي للطفل قبل بلوغه سن الرشد القانوني، كما يمكن تقديمه من طرف المعني بالأمر حينما يصبح راشدا؛
-استعمل المشرع مفهوما ضيقا للخبرة الطبية بحيث لم يشترط اعتماد الخبرة النفسية أو البحت الاجتماعي.
-لم يتطرق القانون إلى سريانه من حيث الزمان، وخاصة في ما يتعلق بإمكانية تطبيقه على الوضعيات السابقة لصدوره.
المادة 28 من قانون الحالة المدنية تقنين لاجتهاد قضائي
تعتبر المادة 28 من قانون الحالة المدنية الجديد تقنينا لاجتهاد قضائي أقرته في وقت سابق عدد من المحاكم المغربية بخصوص وضعية مزدوجي النوع المعروفين فقها بـ (الخنثى) رغم غياب إطار قانوني. فقد سبق لمحكمة الاستئناف بتطوان أن أقرت مبدأ أن “القول يعود للمعني بالأمر أي للشخص مزدوج النوع في ذكوريته وأنوثته.” وقد اعتبرت المحكمة الابتدائية بأزيلال أنّ “ظاهر الدعوى الحالية يرمي لتغيير الإسم الشخصي من رشيدة إلى رشيد، وباطنها يروم تصحيح الجنس، وأن هذا المصطلح يطلق على كافة العمليات الطبية والجراحية وعلى مختلف الإجراءات القانونية التي تسعى إلى إلحاق شخص ما بالجنس الذي ينتمي إليه. “كما استجاب القاضي المقيم بعين بني مطهر لطلب تغيير جنس طفلة من أنثى إلى ذكر، بعدما أجرى خبرة طبية خلصت إلى أن “الطفلة” من جنس ذكري مع وجود أعضاء تناسلية ذكرية، وأن العملية الجراحية المجراة في وقت سابق كانت من أجل إزالة تشوه خلقي.
تقدم ملموس رغم الانتقادات الحقوقية
نقلت منظمة العفو الدولية تقريرها الأخير لسنة 2021 انتقادات وجهتها منظمات حقوقية بالمغرب للتعديل الجديد لقانون الحالة المدنية بالرغم من كونه قد يمثل تقدما فيما يتعلق بمجتمع الميم. وقد تركزت هذه الانتقادات على غياب المقاربة التشاركية في إعداد النص القانوني والمصادقة عليه، فضلا عن استعمال مصطلح “خنثى” الذي يعتبر “مهينا”، إلى جانب أن القانون لا يزال يصنّف مزدوجي النوع إما كذكور أو إناث، ولا يجيز عملية الانتقال للعابرين جنسيا، كما يركز على مظهر الأعضاء التناسلية ولا يرد في القانون أي ذكر للعابرين جنسيا.
من جهتها، اعتبرت كريمة نادر عضو حركة خارجة على القانون، التي تطالب بمراجعة القانون الجنائي، أن الدفاع عن حقوق ثنائيي الجنس والمثليين لا ينفصل عن صميم الحريات الفردية، مطالبة بإسقاط الفصل 489 من مجموعة القانون الجنائي، المكبل لمجتمع الميم، موردة أن “هؤلاء يتعرضون لاعتداءات فقط لشكلهم، دون حدوث تلبس أو علاقة”.
وأضافت في تصريحات إعلامية، “إن الخطوة المتضمنة في قانون الحالة المدنية الجديد ستجنب ثنائي الجنس متابعات قضائية ومشاكل بالجملة”، معتبرة أن “النقاشات الجارية حول الموضوع إيجابية، لكنها تظل جد ثانوية مقارنة بعمق التشريعات”، مشددة على أهمية سنّ قوانين تحمي الاختلاف وتساهم في البناء الديمقراطي للبلاد.
إعداد: حسن عربي