الانتخابات المقبلة

عاد وزير الداخلية ليؤكد أمام مجلس النواب أن الحكومة تستعد بجدية للاستحقاقات الانتخابية المرتقبة في العام المقبل، لافتا إلى أن بعض النصوص القانونية تمتلك الحكومة مسودات ومشاريع بشأنها، كما أنها تعتزم فتح مشاورات مع الأحزاب بخصوص المنظومة القانونية والتنظيمية ذات الصلة، وحث الهيئات السياسية «على الإسراع عند فتح المشاورات معها إلى تقديم مقترحاتها لإخراج هذه القوانين قبل نهاية السنة الجارية».
الانتخابات المقبلة لن تكون فقط محطة دورية عادية كسابقاتها، ولن تقام فقط من أجل تكريس نوع من الملاءمة الشكلية مع الدستور، وإنما  يجب أن تكون مناسبة لتأسيس مرحلة جديدة على مستوى الديمقراطية المحلية في بلادنا، وهذا الهدف يستدعي أولا بلورة القوانين والتشريعات والتوافق عليها، وبالتالي توضيح الرؤى والأهداف.
الانتخابات المقبلة يجب أيضا أن تقام ضمن الاستحضار الجدي للخطاب التاريخي الذي ألقاه جلالة الملك في البرلمان، وخصصه لتدبير الدار البيضاء، وأيضا استعراض عدد من الاختلالات في مدن ومناطق أخرى بالمملكة، أي جعل الاستحقاق يؤسس لقطيعة حقيقية من حيث الأشخاص والعقليات ورؤى التسيير الجماعي، وبالتالي الخروج منه بمجالس منتخبة تتشكل من كفاءات وطنية سياسية مشهود لها بالنزاهة والجدية والمصداقية، وأيضا بالخبرة والمهارة والقدرة على إبداع الحلول، وقيادة مسلسلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في إطار تمتين الحكامة الجيدة ومحاربة الفساد والريع.
لقد أعلن وزير الداخلية عن مواعيد مختلف حلقات المسلسل الانتخابي المرتقب، وشدد على أهمية التشاور مع الأحزاب، لكن المطلوب اليوم هو أولا الشروع في مسلسل إعداد النصوص القانونية والتوافق عليها، وبالتالي الحرص على ربح الوقت من خلال جعل التشاور والحوار السياسيين يتمان على قاعدة مشاريع قوانين وتصورات واضحة.
ومن جهتها تبقى الأحزاب مدعوة هي أيضا إلى إبداء الكثير من الجدية وحس المسؤولية عبر إعداد مقترحات ناجعة وفعالة، وليس مجرد معادلات الغاية منها خدمة حسابات انتخابوية ذاتية .
لقد تأكد في أكثر من محطة سابقة أن الأحزاب التي تحسب لوحدها «كيشيط ليها» على حد ما يفيد القول المغربي المأثور، وأن الأنانيات الحزبية الضيقة غالبا ما تصيب أصحابها أنفسهم بضربات موجعة وخسائر، ولهذا يجب اليوم استحضار كل الدروس السابقة، والتحلي بالنضج بما يتيح إنتاج تشريعات وقوانين وتصورات من شأنها أن تنقذ بلادنا من الكوارث التي تتسبب فيها اليوم عديد جماعات محلية.
الحوار السياسي بشأن الانتخابات المقبلة يجب أن يشمل أيضا وسائل الإعلام، ويستهدف تفعيل تعبئة شعبية وطنية بإمكانها الدفاع عن النزاهة والمصداقية ومحاربة الغش والتدليس وشراء الذمم، وأيضا بما يساهم في إقناع نخبنا الوطنية وشبابنا ونسائنا بضرورة المشاركة في التصويت والترشيح، وبالتالي النجاح في جعل مؤسساتنا التمثيلية المنتخبة تدبر من لدن فعاليات وطنية مختلفة، تتوفر فيها النزاهة الأخلاقية والمصداقية السياسية والكفاءة المعرفية والتدبيرية.
الاستحقاقات الانتخابية المحلية والجهوية فرصة لنعيد جميعا للسياسة نبلها، ولننقذ ممارستنا الانتخابية من  الرداءة.
[email protected]

Top