التطرف في …أوروبا

تعيش فرنسا تحت وقع صدمة سياسية كبيرة عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات الأوروبية، والتي منحت حزب اليمين المتطرف «الجبهة الوطنية» المرتبة الأولى بـ25 في المائة، كما سجلت جمود حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» اليميني في نسبة 20 في المائة، وتلقي»الحزب الاشتراكي» الحاكم هزيمة أخرى، حيث لم يحقق سوى أقل من 15 في المائة. وتعكس وسائل الإعلام الفرنسية ومناقشات القيادات السياسية هذه الأيام هول هذه الصدمة التي أصابت المجتمع الفرنسي.
ولم تقتصر هذه الخيبة الانتخابية والسياسية على فرنسا، وإنما أصابت أيضا ألمانيا وبريطانيا والنمسا وايطاليا وغيرها، ما جعل هذا الاقتراع، الذي تميز بارتفاع طفيف في معدلات المشاركة، بمثابة ضربة للفكرة الأوروبية، وأجبر قادة أوروبا على المسارعة إلى الاجتماع، مساء أمس، في بروكسيل لاستعراض الوضع وتحليل نتائج الاستحقاق الأوروبي.
وبالرغم من احتفاظ ناخبي بعض البلدان الأوروبية «اسبانيا والبرتغال مثلا» بتوجهاتهم بالتصويت للأحزاب التقليدية المعروفة، فإن الواضح أن البرلمان الأوروبي سيشهد ازديادا كبيرا في أعداد المنتمين لأحزاب اليمين المتطرف، أي المناهضين للفكرة الأوروبية والمعادين للمهاجرين ومناصري الخطاب الشوفيني والشعبوي، وهذه الوضعية ستطرح تحديات داخل عدد من البلدان الأوروبية، وأيضا على الدول المرتبطة بكثير علاقات وانشغالات مع أوروبا، مثل بلادنا.
النتائج الانتخابية المعلن عنها، خصوصا في فرنسا، تمثل قرارا ديمقراطيا لا شك فيه للناخب الفرنسي، وهي التي ستؤطر اليوم الواقع ومعادلات الحراك داخل البرلمان الأوروبي، وهذا ما يفرض على الديبلوماسية المغربية تمتين استعدادها ويقظتها للدفاع عن القضايا والمصالح الوطنية ومواجهة اللوبيات المناهضة للمغرب وحماية حقوق المهاجرين المغاربة المقيمين بأوروبا.
من دون شك، لا زالت المنظومة الأوروبية تواجه مشاكل وتعثرات، ولكن نتائج الاقتراع الأخير قد تجد تفسيرها أيضا في السياسات الاقتصادية والاجتماعية المنتهجة من لدن الأحزاب الحاكمة، وبالتالي، فإن الأزمة وفشل الإصلاحات والوعود الانتخابية هي التي تكون قادت الناخبين إلى أحضان اليمين المتطرف، خصوصا أمام غياب خطاب سياسي ومجتمعي يتواصل مع المواطنين ويتفاعل مع استفهاماتهم في مقابل الخطاب الشوفيني والشعبوي الصادر عن اليمين المتطرف.
إن من شأن الوقوف عند زاوية النظر هذه أن يمنحنا هنا في المغرب درسا مهما لابد من التمعن فيه وحسن قراءته داخليا، أي أن بطء وتيرة إنجاز الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، وضعف إحساس الناس بالأثر الملموس للتغيير على حياتهم اليومية، بالإضافة إلى انسحاب المثقفين من ساحة السجال السياسي والمجتمعي، وضعف إنتاج الأحزاب الحقيقية لخطاب منطقي وتواصلي ومعبئ، كل هذا من شأنه تهيئ الساحة لتغلغل أفكار وخطابات المتطرفين من كل لون ونوع، وإغراق البلاد في الشعبوية والتفاهة .
الآن يجب أن تنتبه بلادنا، حكومة وطبقة سياسية وغيرهما، إلى المعادلات الجديدة داخل البرلمان الأوروبي عقب التصويت المشار إليه، وبالتالي تكثف انتباهها وتعبئتها للدفاع عن ملفاتنا الوطنية كاملة:» الصيد البحري، الفلاحة، الوحدة الترابية، الديمقراطية وحقوق الإنسان، التعاون الاقتصادي وأوضاع المهاجرين» وغيرها.
[email protected]

Top