الجزائر في بحث دائم عن التوتر

تتبع الجزائر دائما أسلوبا يعرفه الجميع، ويقوم على إيجاد أي مبرر لمفاقمة التوتر مع المغرب، وما إن ينسى الناس المبرر حتى تسارع الأجهزة الجزائرية لاختراع مبرر جديد، وبذلك تستمر في لعبتها المرضية المعتادة.
هذه المرة شكل موضوع اجتماع أتباع الطريقة التيجانية بفاس، والرسالة الملكية الموجهة إلى كافة مريدي الطريقة الصوفية عبر العالم، المبرر الجديد لإطلاق الاتهامات في حق المملكة، وابتداع خلاف بين البلدين الجارين، وعدم التردد في الركوب على «المشترك الصوفي» لتحويله إلى… مشكلة سياسية.
السجال المغربي الجزائري، أو على الأصح الغضب الجزائري، بشأن الزاوية التيجانية هو موضوع قديم، لكن أن يستغل كموضوع لهجوم الجزائر على المغرب واختلاق توتر آخر بين البلدين في هذا القرن الواحد والعشرين، فهذا فعلا يثير الشفقة.
الارتباط الروحي لمريدي الزاوية التيجانية بالمملكة ومؤسساتها، وبمدينة فاس بالذات، يعتبر شعورا راسخا، ولا يمكن لمجرد رغبة جينرالات الجزائر تغييره أو القضاء عليه، كما أن ذلك يعتبر أكبر من السياسة ومن الديبلوماسية ومن لعبة المصالح، ولهذا، وبدل لعبة البيضة والدجاجة التي تمارسها الجزائر في السعي لحيازة شرعية مستحيلة، كان من الأفيد استثمار المشترك الصوفي بين الشعبين والبلدين لإشعاع مزيد من الأخوة والصفاء والتعاون بينهما، والحرص على البناء المشترك للمستقبل.
سيكون من غير المفيد استدعاء المتخصصين في تاريخ التصوف المغربي والمغاربي للبحث عن سند لهذا الطرح أو ذاك، وسيكون عبثيا مجاراة النظام الجزائري في هذه اللعبة البئيسة وامتطاء الجدل التاريخي أو الأنتروبولوجي، ولكن حتما من المفيد لبلدينا وللمنطقة الابتعاد بالمشترك الروحي عن مزالق السياسة ولعبة المصالح والحسابات، لأن اللعبة خاسرة من البداية، ولن يؤدي الاستمرار فيها إلى أي تغير في الوقائع أو المراتب أو الارتباطات.
سيستمر المغرب مرتبطا بالقارة الإفريقية ومتفاعلا مع انشغالات أهلها، كما سيستمر التعلق الديني والروحي بالمملكة لدى أبناء القارة، وسيبقى المغرب أيضا وفيا لثراء تاريخه وهويته وتنوعهما، ومستمرا على نهجه القائم على نموذجه الديمقراطي والتنموي المتميز، وكل هذا لن يتغير بمجرد لعبة صبيانية جزائرية بلا معنى أو أثر.
الأساسي اليوم إذن، أن يقتنع النظام الجزائري أن مستقبل المنطقة، وأيضا مصلحة القارة الإفريقية، يوجدان في تغييره، وفي التعامل مع الواقع كما هو بلا أي هيمنة أو حسابات موروثة عن زمن الحرب الباردة.
الواقع لا يرتفع يا ناس.
[email protected]

Top