حكومة الكفاءات أم كفاءة الحكومة؟

منذ بضع سنين، انتشر في المغرب تعبير «حكومة الكفاءات»، كما انتشرت عدة مفاهيم تروج دون مساءلة ودون تمحيص وتدقيق.
ماذا يعنون بحكومة الكفاءات؟ في الغالب المعنى هو وجود كفاءات تقنية مختصة في مجالها. بهذا المعنى فوجود مهندسين وأطباء ومختصين في مجالات علمية وتقنية وتدبيرية في الحكومة يعني أنها حكومة كفاءات.
في الواقع كل حكومة من المفروض أن تكون حكومة كفاءات. لكن ماذا نقصد بالكفاءة في هذا المجال؟ المقصود بالمفهوم، كما هو رائج، هو الكفاءة التقنية في الوقت الذي نتحدث فيه عن حكومة بما هي مؤسسة سياسية وليست إدارة أو مكتب دراسات أو معهد أو جامعة.
من المفروض أن تتكون كل حكومة من كفاءات لكن بمعنى الكفاءة السياسية، و الكفاءة السياسية تعني التمكن من حمل مشروع سياسي وبرنامج والقدرة على تنفيذه والدفاع عنه والتمكن من الدستور والقوانين واطلاع على السياسات العمومية في كل مجالات العمل الحكومي، والقدرة على التواصل الداخلي ( داخل الحكومة نفسها) ومع المجتمع السياسي ومع الشعب، ثم القدرة على اتخاذ القرار الذي يكون دوما سياسيا مهما كان طابعه التقني ويثير ردود فعل سياسية.
الوزير في قطاع محدد لا يتعامل فقط مع مجال اختصاصه التقني بل أيضا مع مكونات الوزارة من أطر وموظفين ونقابات وجمعيات، ويتعامل خارح الوزارة مع جهات وأطراف مختلفة… التواصل مع كل هذه الأطراف والمكونات يتطلب أولا وقبل كل شئ الكفاءة السياسية.
بجانب كل وزير مستشارون وخبراء وإدارة من المفروض أنها تتوفر على كفاءات تقنية تهيء المقترحات والمشاريع والمبادرات لكن الوزير هو الذي يتخذ القرار بناء على تصور سياسي وإدراك سياسي للمكن وغير الممكن، ومدى الانسجام مع تصور وبرنامج الحكومة. فالتقني معياره الأساس في اتخاذ القرار هو جدواه من زاوية الاختصاص، أما الوزير الذي يقوم بمهمة سياسية فله معايير أخرى سياسية منها توقيت اتخاذ القرار ووقعه في المجتمع السياسي والمدني ومدى امكانية تنفيذه. ولأجل ذلك لابد من الكفاءة السياسبة التي لا تكتسب بين عشية وضحاها كما يقال بل بالممارسة المستمرة والمتواصلة.
هل هذا يعني أن الكفاءة التقنية لا مكان لها في تشكيلة الحكومة؟ هنا مغالطة أخرى يحيل إليها مفهوم حكومة الكفاءات وهي الإيحاء بأن السياسي بدون كفاءة تقنية، والحال أن عددا كبيرا من السياسيين، خاصة في الأحزاب الحقيقية والجادة، هم في نفس الوقت كفاءات تقنية وخبراء في مجال عملهم، أطباء، ومهندسون، وخبراء اقتصاديون، مختصون في المجالات التقنية، وفي مجال التدبير الخ…
ليس لدينا في المغرب سياسيون محترفون، مجال عملهم الحصري هو السياسة، بل مواطنات ومواطنون لهم مجالات اختصاصهم وعملهم، يختارون العمل السياسي بجانب عملهم المهني الأصلي. فوضع تعارض بين الكفاءة التقنية وامرأة أو رجل سياسة يجانب الصواب إن لم يكن مغالطة هدفها سياسي وليس نجاعة الأداء.
في بلدان أخرى يستعملون عبارة الحكومة التقنية التي لا يكون لأعضائها أي انتماء سياسي، ويتم اللجوء لهذه الصيغة مؤقتا عندما تكون هناك أزمة أو مشكل سياسي يمنع من تكوين حكومة سياسية.
لدينا إذن إما حكومة سياسية تتكون من كفاءات سياسية بجانبها خبراء ومستسارون مختصون في مجالات مختلفة ومكاتب دراسات أحيانا لمساعدة الوزراء في الاستشارة وتهيئ ملفات وتقديم الخبرة والمعطيات التي ينبني عليها اتخاذ القرار الذي يكون سياسيا في نهاية المطاف، او حكومة تقنية تتكون من مختصين في مجالات مختلفة وحسب القطاعات الحكومية، وهذه الحكومة تكون أقرب الى حكومة تسيير الاعمال الجارية لضمان الحد الأدنى من التدبير الحكومي، ومثل هذه الحكومة لاتتخذ، في الغالب، قرارات سياسية كبرى ذات طابع استراتيجي أو ترهن مستقبل البلاد وتتطلب محاسبة لا تكون إلا سياسية ولأطراف سياسية معلومة. فلا يمكن محاسبة أشخاص تقنيين بدون انتماء لتنظيم مستمر وجوده في الزمن بغض النظر عن الأشخاص، فسياسة عمومية ما مفلسة او فاشلة يحاسب عليها التنظيم السياسي الذي قام بها وليس الشخص الذي نفذ ها، بهذا المعنى يصعب محاسبة وزير تقني كشخص بعد انتهاء مهامه التي هي اشبه بوظيفة منها بمهمة سياسية تكون ضمن تشكيلة سياسية( حزب او تحالف حزبي)، وببرنامح وتصور واختيارات.
ما يتعين التساؤل بشأنه هو هل الحكومة، كهيئة، كفؤة أو غير كفؤة لتدبير الشأن العام؟
المطلوب إذن كفاءة الحكومة وليس حكومة الكفاءات.

 بقلم: عبد الصادق بومدين

Top