ورش الإعلام

تتواصل أعمال الحوار الوطني حول الإعلام والمجتمع، ويستعد القائمون عليه لتنظيم ندوات موضوعاتية وطلب دراسات متخصصة، بغاية تعزيز ما تراكم لديهم لحد الآن من وثائق ومعطيات، لاشك أن “الكتاب الأبيض” المرتقب إعداده سيشملها، وسيحدد، تبعا لذلك، توجهات جيل جديد من الإصلاحات. وفي غمرة الحوار المذكور، شهدت الساحة الوطنية في الفترة الأخيرة احتجاب صحيفة، وأيضا كثير حديث عن الواقع الداخلي للعديد من الصحف…
إن احتجاب أي صحيفة، في المبدإ، يخلف أسى لدى أي غيور على تطور المهنة وعلى حرية الصحافة والتعبير وتعددية الرأي، لكن ما يجري اليوم في بلادنا، يستوجب نقاشا صريحا، بخصوص “المقاولة الصحفية” وأهمية الهيكلة التدبيرية لصحفنا، وبالتالي فإن المناقشات الجارية بداخل جلسات الحوار الوطني حول الإعلام بهذا الخصوص ليست ترفا، إنما هي عمق التحدي.
لا يمكن القبول اليوم أن يبقى في بلادنا من يحمل صحيفة في جيبه، ويغفل حقوق العاملين لديه والتزاماته الاجتماعية تجاههم، وعندما يصطدم بالجدار نتيجة جهله وسوء تدبيره، يكون أول ضحاياه هم الصحفيون وأسرهم، ويطلق هو العنان لتنطع غريب في ساحة “الحرية والمهنية والاستقلالية…”.
غريب اليوم فعلا أن نجد في هذه المهنة من يصر على أن يكون “باترون”، ولو تطلب منه ذلك أن يلاحق الصحفيين العاملين لديه نهاية كل شهر أمام الوكالات البنكية يقتسم معهم الرواتب التي حولها إليهم، بحجة “التضامن معه في محنته المالية”.
إن هذا الواقع الغريب حقا يؤكد، فضلا عن احتقار الناس، كذبا واضحا بخصوص مضمون ورقة الأداء وتحايلا على القانون، كما أنه ينقل النقاش المرتبط بالمقاولة الصحفية وبتنظيم القطاع إلى مرتبة الأولوية.
من جهة أخرى، يحيل الواقع المذكور على مضمون أكثر عمقا، يتعلق بالنقاش العمومي حول الإصلاحات بصفة عامة، وحول دينامية تعزيز البناء الديمقراطي في بلادنا، وهنا الحقل الإعلامي لا يجب أن يبقى بعيدا عن مسلسل الإصلاح وتكريس الحكامة الجيدة.
الأمر يشمل المقاولة نفسها والفاعلين في القطاع، وضرورة إعمال الشفافية بالنسبة لخلق الصحف ولتمويلها ولمدها بالإشهار ولارتباطاتها، كما أن الأمر ليس حكرا على الصحافة المكتوبة إنما يتعلق أيضا بالإعلام السمعي البصري، الذي صار من المستعجل إصلاحه وتأهيله للتفاعل مع التطلعات الديمقراطية والتنموية لمغرب اليوم، وجعله ينسجم مع الشرط المهني والتكنولوجي المميز للإعلام المعاصر.
نعم، إعلامنا تغير بالمقارنة مع عهود خلت، لكن الرهانات المطروحة عليه اليوم ليست بسيطة مع ذلك، ولم يعد من المسموح لبلد مثل المغرب مواصلة تجاهلها.
ما نعيشه بين الفينة والأخرى من اصطدامات وتجاذبات وتوترات، لا يجب أن يغيب عنا النقاش المعمق والجدي لكل أمراض هذه المهنة، بما فيها تلك التي يتسبب فيها بعض المنتسبين لها…
المغرب يستحق مشهدا إعلاميا أكثر نضجا، وأكثر حرفية.

Top