لقاء حول “الذاكرة المنسية” للكاتبة المغربية الزهرة رميج

في إطار أنشطتها الثقافية، وحرصا منها على تجذير الفعل الثقافي بالمغرب نظمت شبكة المقاهي الثقافية بالمغرب، وتحديدا المقهى الثقافي “لوسافير بالاص” بالقنيطرة مؤخرا، حفل توقيع الإصدار الجديد ” الذاكرة المنسية” للمبدعة المتألقة الزهرة رميج، وهي عبارة عن سيرة ذاتية حاولت فيها المؤلفة استحضار جملة من المحطات الحياتية التي أثرت فيها كإنسانة أولا، وكمبدعة ثانيا، وقد ساهم في هذا النشاط الثقافي ثلة من النقاد الذين أضفوا بقراءاتهم الماتعة لهذا النص جوا من الحوار العلمي، الذي تفاعل معه الحضور الكرام، وهم الدكتور حسن لشكر، والدكتور ادريس الخضراوي، والدكتور أحمد الجرطي، بينما سهر على تسيير الجلسة الدكتور عادل القريب.
وقد تنوعت هذه القراءات بحسب الزوايا التي انطلق منها كل ناقد، وهكذا جاءت مداخلة الدكتور حسن لشكر موسومة ب ” عنف الذاكرة في السيرة الذاتية للزهرة رميج” حاول من خلالها أن يقف عند أهم تمفصلات النص والتيمات التي يحفل بها، مسجلا جملة من الملاحظات اللماحة، أهمها: أن هذا الإصدار يطرح مشكلة التجنيس لاسيما وأنه يراوح بين السيرة الذاتية والتخييل الذاتي، كما سجل أيضا ما يحفل به النص من تناصات،وتعدد للخطابات، ومن هنا طغيان المعرفة التاريخية، والمعرفة الأدبية ، والمعرفة الشعبية ممثلة في توظيف الأمثال والأغاني وغيرها، مؤكدا في السياق ذاته على أهمية المقارنات التي عقدتها الكاتبة وهي تستحضر مجموعة من المحطات التاريخية، ومشيدا في الآن نفسه بأهمية هذه السيرة وكل أعمال الكاتبة.
أما الدكتور ادريس الخضراوي فقد عنون مداخلته ب ” سيرة الأمل في الذاكرة المنسية” مشددا على أن اختيار هذا العنوان جاء متجانسا مع طبيعة الكتابة الإبداعية عند الزهرة رميج ليس في هذا النص فحسب، وإنما في كل نصوصها الروائية، حيث من رحم المعاناة والقهر تنبثق لحظات الأمل والحب، معرجا بذلك على بعض التيمات التي ازدان بها النص، ومنها صورة الأب والجدة، حيث انتهى إلى أن الكاتبة تقلب التصورات بتقديم هذه الشخصيات في النص، فيتقدم الأب باعتباره رمزا للحب والعطف والتفاهم، بينما تلوح الجدة كجلاد يتفنن في القسوة والحقد والتعذيب، مشيرا في السياق ذاته للتحول العام الذي شهدته الكتابة السيرذاتية بين جيل الكاتبة والجيل الأول في الكتابة الروائية ، حيث التحول من الروائي إلى السير ذاتي عكس السابق الذي بدأت الكتابة فيه سيرذاتية قبل أن تتحول إلى النص التخييلي، وواصلا مداخلته بملاحظات هامة، وهي أن هذا النص يحترم كل خصائص الكتابة السير ذاتية كما نظر لها فيليب لوجون، ولاسيما من حيث مفهومي الميثاق السيرذاتي وحضور ضمير المتكلم. مشيدا بدوره بقيمة هذا العمل وأهميته في رفد الدراسة النقدية لأعمال الكاتبة.
وهذه الملاحظة هي التي انطلق منها الدكتور أحمد الجرطي في مداخلته” الذاكرة المنسية قراءة في التيمة واستراتيجيات السرد”، حيث أكد منذ بداية مداخلته على أهمية هذه السيرة في فتح قنوات جديدة للاقتراب أكثر من أعمال المبدعة الزهرة رميج، محاولا بدوره الوقوف عند أهم الأحداث التي تدثر بها النص، وملفتا النظر إلى نقطة يراها هامة وأساسية ليست فقط في سيرة ” الذاكرة المنسية” وإنما في كل أعمال الكاتبة”، وهي تجاوز تبئير السرد حول المحكي الجسدي والعاطفي حيث يتخذ البوح بعدا أنثويا صرفا، ويتقوقع حول المعاناة والقهر والجنس وغيرها، إلى الانفتاح على عوالم إنسانية رحبة، يتعالق فيها المحكي الذاتي بالتاريخي والاجتماعي، كما سجل أيضا على المستوى الفني تفرد الكاتبة بخاصية هامة، وهي عدم إيغالها في التجريب وشعرية اللغة وانزياحاتها، على عكس بعض الكتابات النسوية، مذيلا مداخلته بملاحظة قيمة، وهي أن هذا النص يقترب كثيرا من جنس السيرة الذاتية ويستحق بالمقابل أن يدرج ضمن خانة هذا الجنس الأدبي.
وفي ختام هذه المداخلات تناولت الكاتبة المحتفى بها الزهرة رميج الكلمة لتقدم كلمة شكر عميقة في حق كل الذين ساهموا في إنجاح هذا النشاط، ومنهم المقهى والنقاد ومجموعة إشراق للموسيقى العربية، والحضور الكرام، لتتطرق بعد ذلك لأهم القضايا التي طرحت في المداخلات وبعض الأسئلة التي طرحها الجمهور الحاضر، مشددة في كل منها على أن أصعب مهمة بالنسبة للكاتب هي أن يكتب عن نفسه، وأنها وهي تزاول فعل الكتابة عن النفس ظلت حريصة على أن تقدم الحقيقة كما هي، رغم ما شاب النص من نقص في ورود هذه الحقيقة أحيانا، ومرد ذلك إلى الذاكرة الخائنة بطبعها، وإلى صعوبة العودة إلى مراحل الطفولة بكل تفاصيلها، مسجلة في كل ذلك اعتزازها الكبير بالنقد والنقاد الذين احتفوا بتجربتها الإبداعية. ومدى الاستفادة التي تحصلتها بفضل هذه المواكبة النقدية، مجددة شكرها لكل من ساهم في هذا النشاط.
وتجدر الإشارة للدور التنشيطي الهام الذي تقدمه مجموعة إشراق للموسيقى العربية الحريصة على مواكبة كل أنشطة المقهى الثقافي بالقنيطرة، حيث تسهم عبر مقاطع غنائية رائعة تشنف بها آذان الحضور في إضفاء المزيد من البهجة والرونق على كل الجلسات.

Related posts

Top