ولا تخسروا الميزان

محتات الرقاصيكثف حزب العدالة والتنمية حملته الهجومية ضد مهرجان موازين، والتي بلغت حد المطالبة بمنع المغني البريطاني إلتون جون من المشاركة، لكون ذلك، برأيهم “سيشجع الشذوذ في المغرب”. إن الهستيريا التي يبديها هذه الأيام الأصوليون، بقدر ما أنها طافحة بالوصاية على المغاربة واحتقار ذكائهم أيضا، فإنها في الحقيقة تكشف عن خلفية فكرية ترفض المهرجانات بصفة عامة، وتعادي الفنون كلها، وقد عبروا عن ذلك في أكثر من مرة، ضد أفلام أو ضد مغنين آخرين أو ضد مهرجانات أخرى غير موازين، وآخرها ما تم على هامش دعوة جماعة منتخبة في الدار البيضاء يترأسها عضو من الحزب لفنان مغربي شاب.
الأصوليون يرفضون الفن والانفتاح الفني، ونقطة إلى السطر.
لا نميل هنا إلى أي اطلاقية أو تبسيط، إنما توالي الهجومات والمبررات المصاغة باستمرار للمنع أو لفرض الوصاية على ذوق المغاربة تجاه مختلف الفنون، هو ما يجعلنا مقتنعين أن الهجوم على “موازين” اليوم، هو مجرد مبرر، ومحاولة ركوب على تظاهرة كبيرة ولها صيت إعلامي واسع، من أجل نشر دعوة المغاربة للنفور من الفن ومن كل لحظات الفرح والاحتفاء بالحياة.
واعتبارا لما سبق، لم يعد التون هنا هو القضية المركزية، إنما المعركة تكشف عن عمقها، وعن حاجة بلادنا إلى اصطفاف صريح وواضح للدفاع عن حرية المغاربة وعن هويتهم المرتكزة إلى الانفتاح والتسامح، وأيضا الدفاع عن فنوننا وفنانينا وعن كل المبدعين.
المهرجانات الفنية والثقافية هي لحظات فرح واحتفاء يستحقها شعبنا، وهي أيضا فرص شغل للفنانين والتقنيين وللعديد من المهنيين ذوي الصلة، وهي ثالثا آلية لتفاعل فنانينا مع تجارب أجنبية متنوعة، ومع تقنيات متطورة، وهي رابعا تظاهرات للتواصل الاجتماعي  بين الساكنة في مناطقها، وخلق رواج تجاري وتنموي محلي، ولقد استطاعت بلدان عديدة أن تطور تجربتها المهرجانية لتحولها إلى قطاع له مردودية في الإنتاج والاستثمار والترويج وفي الحركية الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بها…
يمكن، بالفعل، رصد بعض الأخطاء والتجاوزات في تنظيم وبرمجة بعض المهرجانات، والأمر يستدعي التعاطي معه بمقاربة نقدية إيجابية، وبمقاربة تنظيمية ترتكز على معايير الجودة والنجاعة والمردودية، لكن هيستيريا الأصوليين لا علاقة لها بهذه الخلفية النقدية، مهما حاولوا التستر وراءها في بعض المحطات، بل إنهم يعطون في كل مرة الدليل على انطلاقهم من خلفية فكرية وإيديولوجية ترفض الفنون والمهرجانات، وتسعى إلى جعل المغاربة يعارضون هويتهم الحقيقية المنفتحة والمرتبطة بعصرها  وبقيمه النبيلة.
إدارة مهرجان “موازين” أعلنت رفضها للهستيريا الأصولية، وتشبثت بحضور التون جون ،لأنه “أحد أبرز المغنين والمؤلفين الموسيقيين في نمط البوب.”، مؤكدة أن “حياته الخاصة لا تعنينا…”.
المعركة باتت واضحة اليوم، والمقصود اليوم بالهجوم هو مشروعنا المجتمعي برمته، وهنا المغاربة اختاروا أفقا حداثيا لمستقبلهم.

Top