الدرس البريطاني

كان لافتا في غمرة الجدل الذي خلفته الانتخابات البرلمانية البريطانية الأخيرة، و”البرلمان المعلق” الذي أسفرت عنه نتائجها، الحديث عن القوانين الانتخابية وضرورة إصلاحها. لقد وضع الديمقراطيون الليبراليون، الذين تحول حزبهم إلى “صانع ملوك” هذا الملف شرطا لتحالفاتهم، ولم يوافقوا على مشاركة المحافظين الحكم إلا بعد أن أعلن دافيد كاميرون  استعداده لتنظيم استفتاء حول مراجعة القوانين الانتخابية التي يرون  أنها لا تأخذ بعين الاعتبار الأحزاب الصغيرة.
الموضوع طغى بقوة على النقاش في بريطانيا، وكل طرف سياسي استعرض مواقفه وأيضا مصالحه بوضوح، والجميع اليوم ينتظر إعمال ما تم التوافق عليه.
بالنسبة لبلادنا لا يخلو هذا الدرس البريطاني من أهمية، خاصة أن العديد من الأحزاب عبرت، في أكثر من مناسبة، عن مطالبها بخصوص إصلاح القوانين الانتخابية.
النصوص المؤطرة لكل عملية انتخابية توضع وفق آلية  معروفة ، لكن المهم أنها توضع وفق منطلقات واضحة، وأيضا من أجل تحقيق أهداف واضحة، ومتى تبدلت المنطلقات والأهداف يمكن مراجعة القوانين، وهذه مسألة عادية.
وانطلاقا من ذلك، فإن القوانين الانتخابية هي في عمقها “سياسة”  وليست مجرد صياغات فقهية مجردة، ويجمع الدارسون على أن لها أثرا جوهريا على دينامية الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي، فضلا عن  دورها في رسم الخريطة السياسية، وفي تحديد حجم كل حزب وقوته، وبديهي أن مثل هذه المعطيات تأتي في النهاية بحسب نمط الاقتراع المعمول به، وبحسب التقسيم الترابي والجغرافي المعتمد، وبحسب أسلوب التصويت، وطريقة إدارة الحملات ومراقبتها وتمويلها، وأيضا بحسب المعايير المطلوبة، وفق القانون، في  المرشح…
من جهة أخرى، كل انتخابات تجري ضمن بيئة سياسية ومجتمعية تؤطرها هي الأخرى قوانين، مثل تلك التي تنظم عمل الأحزاب، وتلك الخاصة بالصحافة والنشر ومحاربة الرشوة وتأطير حقل الحريات العامة، ومن ثم فإن إصلاح هذه القوانين الناظمة للعمل السياسي والعام، من شأنه كذلك تأهيل سياق الانتخابات، بما يجعلها فعلا تحقق هدفيتها المتعلقة بتجسيد إرادة الناخبين، وتمكين البلاد من مؤسسات تمثيلية جدية وقوية وذات مصداقية، وتضم كفاءات وطنية، وتعزز عملية الإصلاح المجتمعي.
في المحصلة، يبقى للقوانين الانتخابية دور جوهري في تحديد رهانات كل عملية انتخابية، ومن غير المستبعد أن التحالف بين الديمقراطيين والمحافظين في بريطانيا، والذي أتاح لدافيد كاميرون الوصول إلى رئاسة الحكومة خلفا للعمالي غوردون براون، في حال كتب له الاستمرار، ونفذ كاميرون وعده بإصلاح القوانين الانتخابية، أن يفتح مستقبلا باب تغيير جذري في انفراد الحزبين الكبيرين على التناوب عن رئاسة الحكومة…
وفي بلادنا، إصلاح القوانين الانتخابية يرتبط أساسا بالحد من الرشوة ومن الترحال الحزبي ويساهم في بناء مؤسسات تمثيلية قوية بمنتخبين جديين وذوي تكوين ودربة سياسية…

Top