الموسيقار اليمني “أحمد فتحي”: المزاوجة بين الموروث والعصري

دخل الميدان الفني من بوابته الطبيعية، بوابة الشعر، لا يكتفي فقط باللحن والغناء، بل هو باحث موسيقي ينقب في التراث الفني ويجدد فيه دون أن يخل بالأصل، استحق أحمد فتحي لقب الموسيقار العربي والعالمي، فهو “صناجة العرب” الذي أوصل الأنغام والإيقاعات اليمنية إلى العالمية. حل أحمد فتحي ضيفا على دار الفنون بالرباط في إطار مهرجان موازين – إيقاعات العالم، وكانت الباقة التي قدمها أمام الجمهور نموذجا حيا لرؤيته الفنية, التي أكد في حوار خص به وكالة المغرب العربي للأنباء، أنه توجه يروم النهوض بالتراث اليمني الغني والذي يحمل ما يكفي من التميز.

ولإرضاء كل الشرائح وتوجيه الأجيال الجديدة توجيها فنيا ذوقيا, أخذ أحمد فتحي على عاتقه “تحريك الجمل التراثية اليمنية وتأطيرها تأطيرا إيقاعيا معاصرا”، وهي مهمة ليست ب”السهلة”, وذلك حرصا على ألا يتأذى الأصل.

ونتجت عن هذا التزاوج بين الموروث والعصري، أعمال لاقت شهرة على الصعيدين العالمي والعربي، ومنها على سبيل المثال أغنية “أبو زيد” و”يا هزلي” التي انبثقت كما شدد الفنان أحمد فتحي, عن العمل الدؤوب على تراث اليهود اليمنيين لتثبيت خاصيتها وهويتها اليمنية.

ودائما وفي إطار تنقيبه المستمر والذي لا يعترف بالحدود، اكتشف من خلال أبحاث معمقة أن أصول “موسيقى الريغي” من مدينة كوكباني اليمنية، وأكد في هذا الحوار أنه عمل على صياغة هذا الانتماء للتراث اليمني، انطلاقا من نص كتب كلماته المثقف العربي عبد العزيز المقالح تحت عنوان “ياجنتي” من كلماته “سيرة شجن.. غنى القمر ودندن.. وأشعل حنينه في دمي وهنهن” وقد غنى مقاطع منها أمس بدار الفنون.

وانطلاقا من إيمانه بحوار الحضارات والثقافات، استلهم الوسيقار أحمد فتحي مؤلفا موسيقيا لفتح قنوات الحوار مع الآخر جمع فيه، ولأول مرة في التاريخ، بين آلتي العود والناي أهداها للرئيس الأمريكي باراك أوباما، بمناسبة خطابه الموجه من القاهرة للعرب والمسلمين، تحت عنوان “الحب والسلام” وقدمها أحمد فتحي بمركز كندى للفنون بالولايات المتحدة. وفي إطار بحثه المتواصل في ثنايا التراث العالمي، اكتشف أحمد فتحي الترابط والتداخل في الشخصية المغاربية واليمنية، الذي وصفه ب”العميق والواقعي والحقيقي والذي لا يحتمل أي جدال”.

وقاده شغفه على سبيل المثال، بالتنقيب في التراث المغربي إلى الوقوف على التشابه بين الموسيقى المغربية واليمنية في إيقاعاتها وتفاعيلها الموسيقية، وقال في الإطار ذاته إن التقارب بين الأزياء والرقصات والأطباق المغربية واليمنية وبل حتى في المفردات “أمر مذهل”.

وأشار الفنان العربي أحمد فتحي إلى أنه اقترح على عضو اتحاد الكتاب اليمنيين الشاعرة ابتسام المتوكل، أن تنجز رسالة دكتوراه على هذا الموضوع، وهو الأمر الذي تقوم به حاليا.

وقد سبق لأحمد فتحي أن تعامل مع الفنانة المغربية الراحلة رجاء بلمليح وكانت نتيجة هذا التعامل دويتو تحت عنوان “رايحين بالحب” كما أعلن أن عملا فنيا سيجمع بينه وبين أسماء المنور وفدوى المالكي.

وعبر عن إعجابه بالفنان المغربي الكبير عبد الهادي بلخياط، الصوت القوي، الذي التقاه بمهرجان الجنادرية بالسعودية، مشددا أن “تقاربا روحيا وأدبيا وذوقيا جمع بيني وبين هذا الفنان”، مضيفا انه من أشد المعجبين بالموسيقار عبد الوهاب الدكالي التي لم تسمح الظروف بعد بالالتقاء به.

كما جمع بين أحمد فتحي وعازف العود المغربي سعيد الشرايبي، مع عازفين عرب وأجانب، تجربة كانت وراءها سلطنة عمان في إطار المهرجان الدولي للعود، مشيرا إلى شركة ألمانية تبنت هذا العمل ووزع في مختلف مناطق العالم، معتبرا هذا العمل “نواة” لعمل عربي أشمل.

وذكر الفنان اليمني بأنه مزيج مدارس متعددة في آلة العود إذ استوعب كل الثقافات التي تنتمي إليها بدء باليمني أحمد قاسم وفريد الأطرش ومحمد رياض السنباطي ومحمد القصبجي والمدرستين العراقية والتركية.. إلخ.

وعن علاقته المتميزة مع آلة العود، قال إنها “علاقة عشق متبادل” موضحا أن “آلة العود شديدة الحساسية، وللعود شخصية يجب التعامل معها بروحانية وبحساسية، تمنح جزءا من أسرارها بقدر ما تعطيها من الوقت والجهد”. وعلى نفس الآلة، التي قال إن كل الآلات اشتقت منها، أنجز أحمد فتحي مؤلفا بعيد وفاة “الأم تيريزا” و”الأميرة ديانا”، تحت عنوان “الأرواح الخيرة”.

بدأ أحمد فتحي، وهو من مواليد مدينة الحديدة بالجمهورية اليمنية، العزف على آلة العود والغناء وعمره ثماني سنوات، وحصل طوال السنوات الماضية على العديد من الشهادات والأوسمة على الساحة العربية والدولية.

وشارك في عشرات المهرجانات والاحتفالات من أهمها تكريمه من قبل المهتمين بموسيقى “الريستال” في بريطانيا بقاعة الملكة إليزابيث عاهلة بريطانيا بصفته مطربا وأحد أشهر عازفي العود في العالم وكذلك بمناسبة حصوله على لقب “عازف العود العالمي” وهو التكريم المخصص لكبار العازفين العالميين.

كما حصل على ثلاث جوائز من المعهد العالي للموسيقى العربية كأفضل عازف عود للسنوات 1974 و1976 و1980 ونال الدكتوراه الفخرية من جامعة الحديدة عام 2006، ووسام مهرجان العود العربي الأول من سلطنة عمان عام 2005، كما حصل على التمثال الذهبي من مهرجان أوسكار في الإسكندرية عام 2001، وميدالية المعهد الوطني العالي للتقنيات المتقدمة في باريس سنة 1993.

لحن نشيد “شموخ الوطن” الذي أصبحت موسيقاه مقدمة لنشرة الأخبار المرئية في تلفزيون الفضائية اليمنية، ومن ألبوماته “سهرت الليل” و”أبو زيد” و”اختلاف” و”لا تسافر” و”غالي و”خطر”.

Top