تاريخ الحروب..-الحلقة 9-

تدفع الحرب الروسية – الأوكرانية التي تدور رحاها بأوروبا الشرقية، والتي أججت التوتر بين الغرب وموسكو وتنذر باتساع رقعتها نحو، ما وصفه مراقبون، “حرب عالمية ثالثة” لها تكاليف باهظة ليس على المنشئات والبنية التحتية فقط وإنما على مستوى الأرواح وعلى ملايين الناس الذين تنقلب حياتهم رأسا على عقب، إلى تقليب صفحات الماضي، لاستحضار ما دون من تفاصيل حروب طاحنة جرت خلال القرن الماضي، وبداية القرن الحالي.
في هويات متداخلة، كما في روسيا وأوكرانيا، لم يبق أحد خارج الحرب. انتهت الحروب وحفرت جراحا لا تندمل وعنفا لا ينسى. وفي هذه السلسلة، تعيد “بيان اليوم” النبش في حروب القرن الـ 20 والقرن الـ 21 الحالي، حيث نقدم، في كل حلقة، أبرز هذه المعارك وخسائرها وآثارها، وما آلت إليه مصائر الملايين إن لم نقل الملايير من الناس عبر العالم..

الحرب الكورية.. اندلعت في 1950 وشبحها يخيم لحدود اليوم (2)

عملية كرومايت

من أجل تخفيف الضغط على محيط بوسان ناقش الجنرال ماك آرثر القيام بعملية إنزال برمائي في العمق خلف خطوط الكوريين الشماليين عند إنشون، وبالرغم من معارضة البنتاغون القيام بها في البداية، إلا أنه مع القوة التي يحظى بها جيش كوريا الشمالية، عاد للموافق عليها في النهاية.

تقوم عملية إنزال إنشون أو ما يطلق عليها بعملية “كرومايت” بتفعيل فيلق “إكس كوربس” تحت قيادة الجنرال إدوارد ألموند، وهو فيلق يحتوي على 70,000 جندي من الفرقة الأولى مارينز وفرقة الجيش السابع مشاة وتم إضافة 8,600 جندي كوري لهم، بالقيام بإنزال برمائي خلف خطوط القوات الكورية الشمالية، حيث مكنت هذه العملية من احتلال وتأمين مدينة إنشون وكسرت الحصار المفروض حول منطقة بوسان من خلال سلسلة من الإنزالات في مناطق يتواجد بها جيش كوريا الشمالية.

أدت هذه العملية بشكل مباشر إلى وقف سلسلة الانتصارات التي كان يحققها جيش كوريا الشمالية، الذي وجد نفسه محاصرا من قبل قوات الحلفاء، حيث كان النجاح في الإنزال نصر حاسم مكن فيلق إكس كوربس من القضاء على المدافعين عن المدينة وهدد بمحاصرة جيش كوريا الشمالية مما أدى إلى تراجع الجيش الكوري الشمالي الشبه معزول مسرعا إلى الشمال، وتم على إثر ذلك استرداد العاصمة سول.

الهجوم المضاد

دفعت قوات الأمم المتحدة بقوات كوريا الشمالية إلى خلف خط عرض 38 ليتحقق هدف الولايات المتحدة في الحفاظ على حكومة كوريا الجنوبية لكن النجاح واحتمالية توحيد شبه الجزيرة الكورية أغرى قوات الأمم المتحدة للتقدم داخل كوريا الشمالية، وانتقلت القوات الأمريكية من دورها في دعم كوريا الجنوبية واستعادة أرضها إلى مطامع من أجل هجوم معاكس والسيطرة على الشمال، خصوصا في ظل الحرب الباردة والصراع الأمريكي السوفياتي، وخطة الرئيس الأمريكي هاري ترومان للقضاء على الشيوعية، في كل المناطق.

على إثر ذلك، سيقرر القادة الأمريكيون الذهاب إلى ما هو أبعد من احتواء التهديدات الشيوعية المدركة إلى سياسة الرد الفعلي وكان من المغريات الأخرى لغزو كوريا الشمالية التأثير النفسي لتدمير دولة شيوعية وتحرير أسرى الحرب.

مع حلول أكتوبر 1950 استطاعت قوات من الأمم المتحدة العبور إلى داخل كوريا الشمالية وقام فيلق “إكس كوربس” بإنزال برمائي جديد في كلا من وونسان وايون بينما اتجه باقي الجيش الأمريكي والكوريين الجنوبيين من الجانب الغربي لكوريا ليحتلوا بيونج يانج في 19 أكتوبر.

ومع نهاية أكتوبر كان جيش كوريا الشمالية ينهار بسرعة وتمكنت قوات الأمم المتحدة من أسر ما يزيد عن 135 ألف جندي وبدأ جيش كوريا الشمالية يتحلل، وبدأت قوات الجنوب تطمع بشكل معاكس في السيطرة على كافة التراب الكوري.

دخول الصين الحرب

بعد سلسلة الانتصارات الساحقة لكوريا الجنوبية بدعم من القوات الأمريكية وقوات الأمم المتحدة، بدأت المخاوف تثير قلق الصينيين، وساد اعتقاد بأن الحرب هي حرب على الأنظمة الشيوعية وليس فقط كوريا الشمالية، وبالتالي كانت الصين ترى بأن قوات الأمم المتحدة لن تقف عند نهر يالو الذي يفصل بين كوريا والصين بل ستمتد سياسة الرد إلى داخل الصين.

وكان هناك شعور لدى الصين بأن هناك توجها نحو شن الحرب داخل حدودها، وهو توجه كان يعبر عنه الجنرال ماك آرثر الذي رأى ضرورة امتداد الحرب إلى الصين، إلا أن هاري ترومان وباقي القادة الأمريكيين رفضوا ذلك وأمروا ماك آرثر بأن يكون شديد الحذر عند اقترابه من الحدود الصينية.

ما إن وصلت هذه القوات حدود الصين حتى أصدر “ماو تسي تونغ” الأمر بتكوين جيش الشعب التطوعي وهو الجيش الشعبي الصيني السادس بقيادة الجنرال “لين بياو” الذي دخل مع الأميركيين وحلفائهم معركة حاسمة تراجع على إثرها الجيش الأممي، فاستغل الصينيون نجاحهم وطفقوا يهاجمون الأراضي الكورية.

وكانت الظروف لصالح الجيش الصيني حيث كان البرد قارسا وجنود الجنرال ماك آرثر مشتتين، والجيش الصيني المهاجم بلغ في النهاية 340 ألف جندي ومجهز تجهيزا أهم من تجهيز الجيش الأممي.

وبفضل الجيش الصيني المهاجم عادت بيونغ يانغ إلى كوريا الشمالية بعد سبعة أسابيع من الاحتلال الأميركي والأممي، حيث تدهورت قوات الأمم المتحدة ومعها القوات الأمريكية، ثم بعد شهر من ذلك أعاد الصينيون احتلال سول في يناير 1951.

الرد الأميركي أو “عملية كيلر”

بعد الهجوم القوي للجيش الصيني الذي استطاع استعاد كوريا الشمالية والشروع من جديد في التغلغل في أراض كوريا الجنوبية، قامت القوات الأمريكية والقوات الأممية يوم 21 يناير 1951 بهجوم كاسح على الجيش الصيني في كوريا الجنوبية خلال عملية عرفت باسم “عملية كيلر”.

وأدت عملية كيلر هذه إلى استعاد العاصمة سول من جديد وذلك بعد الانسحاب الصيني منها في 14 مارس 1951، واستمر الجيش الأميركي يزحف شمالا حتى وصل من جديد إلى خط العرض 38 وتجاوزه قليلا في 22 أبريل من نفس السنة.

مفاوضات وسلام

بعد سنة من المعارك الحامية أصبح الصراع الكوري بين طرفين لا غالب ولا مغلوب فيه، فالقوات الشمالية مدعومة من الصين والاتحاد السوفياتي استطاعت التمركز من جديد فوق أراضيها وحماية حدودها، وكذلك الأمر للقوات الجنوبية المدعومة من أمريكا والقوات الأممية.

استمرت المناوشات طيلة 1951، و1952، وبدأت المفاوضات تلي المفاوضات ولم يتم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين إلا في حدود 1953، حيث تم التوصل إلى اتفاق بين الأمم المتحدة والصين في 27 يوليوز 1953 بقرية “بانمونغوم” الواقعة على خط العرض 38 الفاصل بين الكوريتين.

بعد هذا الاتفاق، تم وضع منطقة حدودية منزوعة السلاح على طول 250 كيلومتر وعرض 4 كيلومتر، وهي منطقة حزام أمني بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية يمنع وجود السلاح فيها باتفاق مشترك بين حكومتي البلدين.

وتعتبر منطقة كورية منزوعة السلاح والتي تدار من قبل قوات عسكرية مشتركة من كوريا الشمالية والجنوبية والأمم المتحدة لتكون أكثر المناطق حشدا للعسكريين في العالم، و يمنع تواجد المدنيين فيها إلا بإذن خاص ومسبق.

حالة حرب مستمرة إلى اليوم

بالرغم من هذا الاتفاق الموقع بين البلدين، وبالرغم من السلام الذي تنعم به كل من كوريا الشمالية والجنوبية، إلا أن الاتفاق الذي تم توقيعه تحت إشراف الأمم المتحدة يعد اتفاق إطلاق نار فقط ولا يعني نهاية الحرب.

وتركت الحرب عداء بين الجانبين خصوصا وأن المعارك خلفت ملايين القتلى في صفوف الشعب الكوري من شماله وجنوبه، حيث تقدر خسائر الحرب بما يزيد عن 4 ملايين قتيل، بالإضافة إلى خسائر مادية فادحة للطرفين معا.

ومنذ 1950 إلى اليوم، ما تزال الدولتين متأهبتين عسكريا، وتعتبران في حالة حرب، كما تحدث بين الفينة والأخرى مناوشات بين الجانبين  على مستوى الحدود، والتي تزيد حدتها خلال التجارب العسكرية للبلدين.

> إعداد: توفيق أمزيان

Related posts

Top