العلاقات المغربية الفرنسية تتأرجح بين الربح والخسارة

تمثل الانتخابات التشريعية الفرنسية تحديا متعدد الأبعاد، إذ لم يعد صعود اليمين المتطرف الفرنسي يشغل الفرنسيين لوحدهم، بل أصبح يمثل تحديا للأوروبيين من جهة، وللدول التي تحتفظ فرنسا معها بعلاقات استراتيجية لاسيما الدول المغاربية.
على رأس الدول المغاربية، يعتبر المغرب معنيا أكثر بالصعود السريع لحزب اليمين المتطرف في فرنسا، وذلك
رغم البرود الدبلوماسي الذي ميز العلاقات بين البلدين لمدة سنتين ونصف.
الصعود السريع لليمين المتطرف في فرنسا يطرح تساؤلات حول العلاقات الثنائية بين المغرب وفرنسا، في مجملها، و ليس فقط في الجانب الضيق منها المتعلق بمصير الجالية المغربية.
صعود حزب مارين لوبان الذي يحتفظ برؤية متشددة بخصوص ملف العلاقات الثنائية بين فرنسا والمغرب، يمكنه، في أقل السيناريوهات سوءا، أن يسير في الاتجاه المعاكس لسياسة الرئيس إيمانويل ماكرون الماضية، التي رغم أنها تحاول السير قدما في اتجاه طي الخلاف بين البلدين، يظل التعنت مميزا لها في الملفات الكبرى المصيرية بالنسبة للمغرب.
جوردان بارديلا، رئيس حزب التجمع اليمني، أشاد في مناسبات سابقة بسياسة المغرب وبقيادته، فهو دائما يصف الشعب المغربي، بالشعب الصديق والشقيق. ومن هنا نجد أن منسوب القللق من اليمين أقل بكثير مما هو عليه بباقي الدول المغاربية، فاليمين المتطرف، لم يدل بأي تصريح يعلن فيه موقفا عدائيا من قضية الصحراء، بل على العكس من ذلك، انتقد سياسة ماكرون السابقة، التي كانت تعاكس المغرب، وانتقد بشدة ميله إلى الجزائر.
زعماء اليمين سبق لهم غير ما مرة أن أعلنوا أن المغرب بالنسبة لفرنسا شريك استراتيجي في مجالات عدة ونموذج مهم في المنطقة، ويتمثل ذلك في حجم الاتفاقيات والشراكات الثنائية، كما أن العلاقات التي تجمع بين البلدين توجهها مصالحها الاستراتيجية العليا، وليس حسابات وسياسات الأحزاب.
فزيارة الوفد الفرنسي إلى المغرب بزعامة الرئيس الحالي لحزب الجمهوريين، إيريك سيوتي، مع رشيدة داتي ذات الأصول المغربية، المنتمية لحزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني الوسطي، أثمرت خطوات ايجابية إلى أمام في تطورات العلاقة بين فرنسا والمغرب، خاصة بعد الموقف الواضح تجاه الصحراء المغربية.
أما بالنسبة لقضايا الهجرة والأمن فيمكن اعتبارها ورقة مشتركة، يمكن أن يستعملها الطرفان (الفرنسي في ظل الوافد الجديد والمغربي) على حد سواء، فمن الصعب على أي دولة أن تمضي بشكل أحادي في فرض سياستها دون أن تضع في الحسبان ردود فعل قد تؤثر على الأمن الأوروبي من جهة، وعلى الاستثمارات الخارجية الفرنسية في هذه البلدان من جهة أخرى، بل وقد تؤدي أحيانا إلى بلورت محاور إقليمية لا تخدم رغبة فرنسا في استرجاع نفوذها في غرب إفريقيا ودول الساحل جنوب الصحراء، كما يمكن للمغرب في سياق الممانعة أن يستعمل أوراقا قوية تتعلق بالطاقة أو بعض المعادن الحيوية التي تتوقف عليها الصناعات الحديثة.
فباريس بدأت مسارا متدرجا لتطوير العلاقات الاستراتيجية مع المغرب، وهي تسعى إلى الوصول لأبعد مدى من خلال الاعتراف بمغربية الصحراء، خاصة بعد أن وصل قطار العلاقات المغربية الفرنسية إلى محطة الاستثمار المباشر في مدن الصحراء المغربية.
فالظرفية الحالية حرجة يطرح خلالها دور فرنسا على المستوى الخارجي مع هواجس أن يتقلص دورها في أوروبا فضلا عن تراجعها عبر العالم وإفريقيا، خصوصا أن العالم مقبل على تغيرات جذرية، ما يجعل فرنسا على فوهة بركان سواء داخليا أو خارجيا.

هاجر العزوزي

Top