ورش محاربة الفساد

يتابع المواطنون تفاصيل ومسار ملف المكتب الوطني للمطارات ومديره العام السابق الذي تم إيداعه السجن، وبات الموضوع يتسيد مختلف مجالس الحديث، كما أن شعبنا يتطلع إلى أن يندرج ذلك ضمن حرص حكومي وقضائي ومجتمعي على محاربة الفساد، وعلى تخليق تدبير مختلف مؤسسات الدولة والمقاولات العمومية، وبالتالي إعطاء مدلول ملموس لمبدإ ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي جاء به الدستور الجديد.
من المؤكد أن كل الديمقراطيين، يجب أن يطالبوا بضرورة تمتيع المتهمين في هذا الملف أو في غيره من كافة شروط ومقومات المحاكمة العادلة، فضلا عن ضرورة جعل القضاء المستقل والنزيه والكفء يسير بهذا الملف إلى نهايته، ويبحث في كل تفاصيله ويتفادى تقديم أكباش فداء وترك مفسدين آخرين أحرارا طلقاء، أو تركيز النظر على ملفات دون أخرى، كما يجدر الابتعاد عن أساليب حملة التطهير الشهيرة إن في القضاء أو في الإعلام.
وبعد هذا التذكير  المبدئي، لابد من القول أيضا إن شعبنا يتطلع في نفس الوقت إلى هذه الحكومة لتفعيل خطوات ملموسة بشأن محاربة الفساد، وتعزيز أسس التخليق والنزاهة والحكامة الجيدة، وهذا الورش الهام لا يكتسي فقط أهمية سياسية أو أخلاقية مجردة، إنما له أيضا أهداف اقتصادية وتنموية، من حيث حماية المال العام وترشيد عمليات صرفه وإنفاقه، وكذلك من حيث تقوية ثقة الفاعلين الاقتصاديين المحليين والمستثمرين الأجانب في مصداقية بيئتنا الاستثمارية الوطنية، وفي منظومتنا الاقتصادية المؤسساتية، أي في جدية الوجهة المغربية ومصداقيتها.
إن السير بملف بنعلو ومجموعته إلى النهاية وفق كامل شروط الشفافية وأيضا الحزم، وفتح باقي ملفات الفساد وتبديد المال العام المعروفة اليوم، من شأنه إضفاء الجدية والمعنى على عمل مؤسسات الرقابة وعلى دور الجهاز القضائي، وبالتالي جعل شعبنا يحس أننا فعلا بدأنا في تطبيق الدستور الجديد، وأن تصويتهم عليه لم يذهب سدى، وأن التحول المؤسساتي والدستوري والسياسي الذي يعيشه المغرب له انعكاسات إيجابية ملموسة على دينامية التقدم والإصلاح في المجتمع.
ثمة أيضا جانب مهم آخر في مثل هذه الملفات لا يجب إغفاله، ويتعلق بحق شعبنا في المعلومة، وهنا من الضروري الانفتاح على وسائل الإعلام الوطنية عبر مدها بكافة المعطيات والأخبار ذات الصلة، علاوة على أهمية الانفتاح كذلك على المنظمات الحقوقية الجدية من أجل مزيد من المصداقية لمثل هذه المبادرات التي تكون مثار اهتمام الرأي العام والأوساط القانونية والحقوقية والإعلامية.
إن معركة محاربة الفساد اليوم هي معركة من أجل مستقبل بلادنا وشعبنا، وهي معركة من أجل إنجاح مسلسل التنزيل السليم للدستور الجديد، وهي معركة من أجل التنمية والتخليق والحكامة الجيدة، ولذلك فهي معركة كل الوطنيين والديمقراطيين، على أن تخاض ضمن الاحترام الدقيق لضمانات وشكليات المحاكمة العادلة، وفي إطار الحرص على مقومات دولة القانون.
[email protected]

Top