سياسة أمنية جديدة

بقدر ما مثل تعيين بوشعيب الرميل مديرا عاما للأمن الوطني أول تجسيد للسياق الدستوري الجديد بشأن التعيين في المناصب السامية، فإن ذلك جعله تعيينا يندرج ضمن التطلع المغربي العام للتغيير، ولتكريس الزمن الجديد.
التعيين المذكور لا شك سيعيد طرح مختلف ملفات وقضايا السياسة الأمنية في بلادنا، وسيجعل الكثيرين يترقبون رؤية «بصمة» الرميل على مستوى عمل المديرية العامة ومن خلال أداء عناصرها على أرض الواقع، خاصة بالنظر لما عرف به الرجل من آراء وأفكار في المجال، واعتبارا أيضا لمساره المهني داخل المديرية نفسها وفي الإدارة الترابية، ولكونه يمتلك تكوينا أكاديميا عاليا.
إن الكثير من مدننا باتت اليوم تعاني من تفاقم حوادث الاعتداء والسرقة وتهديد أمن وطمأنينة السكان وممتلكاتهم، وصارت عشرات النقاط السوداء معروفة لدى الجميع، ولم يعد الكثيرون يستطيعون ولوج أحياء وشوارع بأكملها خشية التعرض لمكروه، وهذا الواقع صار يستوجب اليوم انكبابا عاجلا وجديا لجعل الناس يحسون بالأمان.
إن هذا الانتظار الشعبي الجوهري من إدارة الأمن، يطرح ضرورة تفعيل «شرطة القرب»، وهو موضوع يحضى باهتمام الرميل منذ سنوات، ولا شك أنه سيسعى إلى جعل فترة مسؤوليته الجديدة تقترن بكسب هذا الرهان بالذات، وهو ما ينتظره منه المواطنون.
من جهة ثانية، ولإنجاح الرهان المذكور يجب تعبئة الإمكانات اللازمة من أجل النهوض بأوضاع رجال الأمن، خصوصا من ذوي الرتب الدنيا، وتعزيز الموارد البشرية للقطاع، وأيضا وسائل العمل والتكوين، ما سيتيح إنجاح سياسات وخطط التدخل الاستباقي والحضور القريب من الناس، وتلبية حاجاتهم.
من جهة ثانية، يعرف عن المدير العام الجديد حرصه الصارم على مراقبة أداء العناصر العاملة تحت إمرته، وهنا يتطلع المغاربة كي تنجح المصالح الأمنية في تحسين الخدمات اليومية الموجهة للمواطنات والمواطنين، وتكريس الاحترام داخل المرفق الأمني، والوعي الجماعي بمحددات الزمن المغربي الجديد، والتي تتأسس على احترام كرامة الناس وحقوقهم، والالتزام بالقانون، وبالأفق الدستوري والسياسي الجديد.
وبقدر ما أن أسلوب التدخل الاستباقي يعتبر مهما في مواجهة حالات الانفلات في المدن وحوادث الاعتداء على الناس، فإنه أيضا في غاية الأهمية بالنسبة لمواجهة التحديات الأمنية الأخرى التي تهدد البلاد واستقرارها وأمنها.
إن انتظارات المغاربة من الأمن، لا تعني أن الأمر موكول فقط لإدارة الأمن ولمسؤولها الأول، بل إن إنجاح سياسة القرب في هذا المجال يجب أن ينبني أولا على تحقيق المطالب الاجتماعية للناس، خصوصا ما يتعلق بالسكن والشغل والصحة والتعليم، وأن يستحضر ضرورة تلبية الحاجيات الثقافية للمواطنين، وأن يعتمد كذلك على تصحيح اختلالات النسيج العمراني في عدد من مدننا، وأساسا على صعيد الأحياء الهامشية، بالإضافة إلى تمتين شبكة الطرق في الأحياء والإنارة العمومية، وتحسين خدمات النقل الحضري وباقي المرافق الاجتماعية، وهذه كلها مقومات نجاح السياسة الأمنية التي تتطلع إلى خدمة البلاد والعباد، وفق مقاربة مندمجة وشمولية.
[email protected]

Top