الصحافة أيضا قطاع تنموي

هتمت الكثير من المتابعات الصحفية مؤخرا بموضوع المجلس الوطني للصحافة وسبل النهوض بالمقاولات الصحفية وبأوراش تأهيل القطاع برمته، كما أن تصريحات وزير القطاع كثفت من هذا النقاش.
إن الحديث اليوم عن التنظيم الذاتي لمهنتنا لا يجب أن يبدو كما لو أنه ينطلق من الصفر، لأن المهنة نفسها ومنظماتها الحقيقية راكمت منذ سنوات أدبيات هامة على هذا الصعيد، علاوة على أن كل أنظمة التأسيس اليوم يجب أن تنص بوضوح على المرجعية الدستورية من أجل أن يكتسب كل تنظيم بهذا الخصوص قوته القانونية والمؤسساتية.
وتتعلق المسألة الثانية بكون كل تنظيم للمهنة يراد منه النجاعة والفعالية يجب أن يكون المهنيون هم عموده الفقري، أي الصحفيون أولا وقبل كل شيء.
أما المسألة الثالثة، فهي تكتسب أهميتها من مآلات وتجارب هيئات قريبة مما نحن بصدد الحديث عنه، ويتعلق الأمر بتفادي تحويل مثل هذا التأسيس إلى ممرات للترقي الذاتي، أو لكل التسييجات التي قتلت هيئات أخرى، وجعلتها جوفاء وبلا أثر.
من دون شك، الوزير الوصي يدرك كل هذه المحاذير، وهو يحرص مع ممثلي القطاع على اتخاذ الاحتياطات الضرورية، لكن التذكير واجب، وتفاعلات الصراع والمطامع وعقليات التحكم واردة وغير بعيدة.
من جهة ثانية، فإن تصريح الوزير بكون القطاع يعني على الأقل خمسة آلاف شخص، وبأنه عازم على مضاعفة عدد الحاملين للبطاقة المهنية في غضون السنوات الثلاث المقبلة، كل هذا يفرض على الدولة أن تستحضر الأمر باعتباره انشغالا بقطاع بإمكانه توفير فرص شغل، وباستطاعته إنتاج قيمة مضافة، وتمكين بلادنا من امتلاك التكنولوجيا، وأيضا الصورة والإشعاع، فضلا على أنه يساهم في التاطير والتوعية والفعل في مختلف الديناميات السياسية والتنموية في المجتمع.
هنا على السلطات العمومية، وبالإضافة إلى المطالب المتعلقة بالتشريع والقوانين والتنظيم، أن تنكب على مسلسلات النهوض بالمقاولة الصحفية وبحياتها الاقتصادية وبمحيطها الإداري والتمويلي والتأطيري، أي الانكباب على مخطط حكومي لتأهيل القطاع، يراعي خصوصياته وأيضا تباينات الأوضاع بداخله، وبالتالي جعله ينتظم داخل الدينامية التنموية للبلاد.
وعندما يتحدث الوزير عن حجم سوق الإشهار في بلادنا ونسبة ما تتلقاه الصحافة المكتوبة وثقل الريع والعبث داخل هذا المجال، فإن الأمر يفرض بدء الإصلاح الفعلي من هنا بالذات، أي  ببعث إشارات التغيير الملموس على هذا الصعيد من الآن، وبتقوية الشفافية، ومحاربة الريع والفساد، واختلالات الوساطة…
الوزير المسؤول اليوم عن القطاع يعرف كل هذه التفاصيل، وهو زميل لنا جرب المعاناة مع مثل هذه الاختلالات، ومن دون شك لا تنقصه النوايا الحسنة وقوة الإرادة من أجل التغيير، لكن ننبه فقط إلى أن اللوبيات التي اغتنت من وراء الريع واللاقانون، ستبحث عن كل المداخل التي تؤمن لها مواصلة الاستفادة، وقد تفعل ذلك حتى من داخل النصوص والقوانين والهياكل.

[email protected]

Top