محيطنا الحزبي

أمام صعوبة الحديث لحد الآن عن تقييم فعلي للعمل الحكومي، مادام قانون المالية لم يقر بعد، فإن قراءة وضعنا السياسي العام يمكن أن نجربها من خلال قراءة واقع ومحيط حياتنا الحزبية والسياسية منذ انتخابات 25 نونبر إلى الآن. في الحقيقة، وباستثناء تشكل تحالف الأغلبية الحالية، واختيار أحزاب أخرى الاصطفاف في موقع المعارضة، ثم الجدل القانوني والدستوري الذي رافق انطلاق عمل مجلس النواب الجديد، فإننا لم نعاين قطائع كبرى وجوهرية في تفكير وعمل أحزابنا السياسية.
ليس الأمر هنا تقييما سطحيا أو تعلقا بالمزايدات الفجة، إنما الأمر ينطلق من كثافة لحظتنا السياسية الوطنية والإقليمية، ومن كل ما يفرزه ذلك من اصطفافات وإسقاطات، وبالتالي من الوعي بحاجتنا اليوم إلى القراءة الذكية للوقائع والأحداث، وإلى تفعيل النظر الاستباقي، وليس اجترار ردود الفعل تأتي في الغالب ذاتية ولا تخلو من أنانيات حزبية.
من المؤكد أن الحديث هنا لا يعني كل الكيانات التي تدعي كونها أحزابا، فعدد التنظيمات كثير في حالتنا المغربية، والخشية من أن يصدق عليها القول المحرف لضرورة السياق: (ما أكثر الأحزاب حين تعدها، ولكنها في النائبات قليل)، وبالضبط فبعضها فقط هو المعني بالكلام، أي الأحزاب الحقيقية ذات المصداقية والهوية والأصل، وصاحبة القرار المستقبل والأفكار والمقترحات والرؤى.
عدد من هذه الأحزاب تكاد تكون غارقة، ومنذ الانتخابات الأخيرة إلى اليوم، في معالجة أزماتها الداخلية التنظيمية، أو في الإعداد لمؤتمراتها، أو حتى في تصفية الحسابات بين قيادييها أو مع الغير، والمشترك بين هذه الوضعيات السلبية إجمالا، أنها تركت المجتمع والشارع والناس في المكان البعيد عنها، أو أنها أجلت الأمر على الأقل إلى حين.
لقد آن الأوان إذن للقوى السياسية الجادة والجدية أن تخرج من منغلقات الحسابات الانتخابوية، ومن التيه في معالجة عقد وأمراض بعض مسؤوليها، وإسقاط ذلك على المواقف وعلى الخطاب، فالأحداث تجري بسرعة، ولا يمكن وقف السياقات الداخلية والخارجية، لجعلها تسير على عجلات زمننا الحزبي المتأخر جدا.
إن أفق التطور اليوم يقوم على الديمقراطية وعلى الحرية وعلى حقوق الإنسان، وعلى مشاركة المواطنات والمواطنين في الشأن العام، وداخل هذه المنظومة كلها يبرز دور الأحزاب، واستحالة تطور الدولة الحديثة من دونها، ولذلك، فإن تطوير ممارستنا الحزبية، وجعل أحزابنا قوية داخليا وإشعاعيا وإعلاميا، واحترام استقلاليتها، والحرص الجماعي على تعدديتنا السياسية والحزبية، هي كلها رهانات مشتركة بين الدولة والطبقة السياسية ووسائل الإعلام، كما أن من مسؤولية الأحزاب الجدية نفسها تمتين بنيتها الداخلية ودمقرطتها، وتقوية تفاعلها مع المجتمع ومع الناس، وبالتالي جعل تطورها يواكب تطور المجتمع، بل ويسبقه حتى، ما سيساهم في تسريع قدرتنا الجماعية على ترسيخ الحداثة والديمقراطية في الدولة وفي المجتمع أيضا.

[email protected]

Top