حاجتنا للمثقفين اليوم

النقاش العلمي الرصين الذي أشرف عليه المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية حول اللهجاتية المغربية، وأهداه لروح الباحث اللغوي الكبير والمناضل التقدمي الراحل شمعون ليفي، مثل لحظة تفكير واجتهاد عالية الجودة، وغاصت مداخلات الباحثين المشاركين في مختلف تفاصيل المسار التاريخي للتطور الثقافي واللغوي ببلادنا، مقدمين معطيات ثرائنا الحضاري المتعدد، وراصدين للكثير من إشكالات الزمن الحالي والمستقبلي بخصوص قضايا اللغة والهوية والثقافة والتنوع والحضارة، ومن ثم، فان حصيلة هذا اللقاء العلمي الهام، وتظاهرات أخرى مماثلة، يمكن أن تشكل داعما لسعينا الوطني الهادف لتنزيل مقتضيات الدستور الجديد، وصياغة الأجوبة النظرية والتأطيرية والإجرائية ذات الصلة.
استحضار روح شمعون ليفي من لدن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، يدفعنا للتفكير في حاجتنا المستمرة لأمثال شمعون، من كبار الباحثين والمثقفين المالكين لرصانة العلم وقوة الحجة واستشرافية النظر وشموليته، فعبر هؤلاء يتم تطوير الأفكار وسط المجتمع، ويصنع الامتداد المجتمعي للقضايا والمطالب والتطورات التاريخية.
اليوم، وفي سياقنا السياسي والمؤسساتي الحالي، نحن في حاجة إلى مثقفين ومفكرين وعلماء في شتى حقول المعرفة بغاية مواكبة حراكنا الثقافي والقيمي والسياسي، وتأطيره بالجدية الضرورية، بعيدا عن كل السطحيات وخفة التبسيطية.
النقاش حول الحريات الفردية مثلا، وحول التنوع اللغوي والثقافي، وحول الإعلام، وحول حرية الفن والإبداع، وغير ذلك من القضايا المجتمعية الكبيرة يتطلب الالتفات إلى زاوية نظر المثقفين وصناع الأفكار والذوق، بعيدا عن الاعتبار الحزبي الإيديولوجي الضيق، وحساسيات الصغائر من الأشياء.
وفي السياق نفسه، فان المعركة من أجل التسامح والحرية والحداثة تقتضي أيضا فعل المثقفين والمفكرين، وتستوجب انخراطهم الفعلي والمستمر في صنع مقاومة مدنية شعبية وثقافية ضد التطرف والتزمت ومن أجل حقوق الإنسان والمساواة والعدالة الاجتماعية والتقدم.
شمعون ليفي لم  نعرفه بيهوديته، وإنما أولا بوطنيته كمغربي، وأيضا بمساره النضاله والحزبي مثله مثل الآخرين في قيادة الحزب وفي النقابة وفي الجامعة وفي العمل الجمعوي، ثم بكتاباته وأبحاثه، وبمبادراته الميدانية كما تجسدت في المتحف اليهودي وفي غيره، ولهذا  فشمعون كان بالنسبة لكافة المغاربة أحد الرموز الكبرى في الشخصية الحضارية لشعبنا، وما يحتاجه المغرب والمغاربة اليوم هو بالذات هذا العيار الكبير من شخصياته الثقافية والسياسية ذات الحس الوطني والتقدمي العالي.
مثقفونا ومفكرونا اليوم عليهم مسؤولية الحضور المجتمعي، بالفعل وبالكتابة، في معارك شعبنا ضد التطرف، وضد مصادرة الحريات، ومن أجل الدفاع عن الديمقراطية وحرية الإبداع والتعبير والمساواة والحداثة.
[email protected]

Top