الشرطة المواطنة

فدفدفمن المناقشات الجارية ضمن وحول الحوار الوطني المتعلق بإصلاح العدالة، إلى الجدل المحتدم مؤخرا حول واقع السجون، مرورا بما يقال ويكتب عن مطالب فئات من المعتقلين، والادعاءات ذات الصلة بالتعذيب، يبرز موضوع العدل في شموليته كقضية مركزية اليوم في انشغالنا الوطني.
وسيكون من باب تحصيل حاصل العودة هنا إلى كل الاستدلالات والأسانيد الدينية والفقهية المعروفة حول قيمة العدل ومحوريته في إدارة وتنمية المجتمعات والدول، كما أنه لن يكون جديدا التذكير بعلاقة العدل والقضاء بالاستثمارات والاقتصاد، وبحقوق المواطنة وغير ذلك، لكن لابد من الإشارة هنا إلى لقاء حواري أقيم في القنيطرة الأسبوع المنصرم حول توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة في مجال الحكامة الأمنية، وحول سبل تنزيل مقتضيات الدستور الجديد على هذا الصعيد.
الأمر أولا هو في صميم موضوع العدل، وفي عمق مقتضيات دولة القانون، ثم إنه يعزز انخراط المؤسسة الأمنية نفسها في مثل هذه المناقشات، حيث أن المديرية العامة للأمن الوطني كانت الطرف الثاني في اللقاء إلى جانب المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومنظمات مدنية أخرى، كما أن اللقاء أقيم في معهد الشرطة بالقنيطرة، وحمل شعار (دور الأمن في تدعيم وحماية منظومة حقوق الإنسان)، وهذه المؤشرات كلها تفتح الباب لدينامية جديدة تعزز مسار بلادنا من أجل تقوية دولة القانون.
لقد تحدث المدير العام للأمن عن (المقاربة الأمنية المنشودة)، وقال بأنها (بقدر ما تستحضر التزامات المغرب الناشئة عن اتفاقيات مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والتصدي لجرائم الفساد المالي وتبييض الأموال والاستغلال الجنسي للقاصرين، فإنها تستحضر تعهدات المغرب المترتبة عن الصكوك والمواثيق ذات الصلة بحقوق الإنسان)، مشددا على أن (هذا الالتزام المزدوج بشقيه الأمني والحقوقي يشكل الأساس المتين لكل مقاربة أو إستراتيجية أمنية).
إن أهمية مثل هذا الكلام تكمن في أنه يصدر عن كبير أمنيي البلاد، وداخل مؤسسة أمنية، وبشكل علني، ومن ثم، يعتبر لزاما اليوم جعل الكلمات مطابقة لمعناها، والانتقال بها إلى مستوى المنظومة السلوكية المعتمدة في الأداء اليومي، فضلا عن إدراجها ضمن سلسلة إجراءات وقوانين وتدابير تقوم على الوضوح والشفافية والانفتاح، أي على الخضوع إلى القانون، وبذلك سنمكن بلادنا من امتلاك حكامة أمنية في مستوى التطلعات الديمقراطية والحداثية لشعبها.
إن أهمية مثل هذا الرهان تتجلى في الدور الموكول للمؤسسة الأمنية، حيث أنها تضطلع بأدوار محورية وهامة في حماية الحريات التي يكفلها الدستور، كما أن قربها من المواطنات والمواطنين، وارتباط عملها بالانشغالات اليومية للناس، وبحاجتهم للأمن والحماية، يجعلها ملزمة بالسعي الدائم لتكون(شرطة مواطنة) تنضبط للقانون ، وترتكز على التخليق والنزاهة بداخلها، وعلى الجودة المهنية والقرب والاحترام في علاقتها بالمواطنين.
[email protected]

Top