في ذكرى عامين عن دستور 2011

الوقوف اليوم عند موضوع الدستور، مرده ليس فقط مرور عامين عن الاستفتاء الشعبي المتعلق به، كما أن إعادة التأكيد اليوم على تاريخية تلك اللحظة ليس فقط اعتبارا لما يحتويه النص من مضامين متقدمة، ولكن أيضا لاستحضار الأجواء السياسية العامة التي رافقت المسار برمته قبل عامين.
لقد تابعنا حينها عشرات التجمعات الحزبية وكثير مناقشات سياسية وأكاديمية وإعلامية ومدنية في مختلف جهات المملكة، وصدرت العديد من الكتابات والتحاليل والقراءات، وكل هذا جسد دينامية مجتمعية حقيقية وليست مفتعلة، وعبرت عن كثير تطلعات وسط شعبنا وشبابنا، ما جعل دستور 2011 يمثل فعلا إعادة بناء حقيقية للدولة ولبنياتها وللعلاقات بداخلها وبين مؤسساتها، وجعله أيضا مبشرا بمغرب جديد.
اليوم، الجميع يتفق على أن التطبيق سار طيلة عامين سير السلحفاة، ولم ينتظم زمن البلاد ضمن إيقاع دستوري وتشريعي ينسجم مع التطلع الشعبي العام لمرحلة جديدة.
اليوم، الجميع يرى كيف أن مؤسستنا التشريعية مثلا تجسد بوضوح هذه الازدواجية في الإيقاع، حيث غرفة أولى مشكلة وفق مقتضيات الزمن الدستوري الجديد، وثانية لازالت مجرورة بأحكام دستور 1996، ويتابع الكل كيف أن القوانين التنظيمية المنصوص عليها في الدستور الجديد لازالت لم تخرج في غالبيتها، كما أن بعض الأحكام الدستورية الجديدة ذات الصلة بالعمل البرلماني لم يجر تفعيلها بقوة بسبب الحسابات الحزبوية الصغيرة جدا….
اليوم أيضا، نتفرج على كثير من سياسيينا وهم عاجزون عن تمثل أفق دستور 2011، قيما وفكرا وخطابا وسلوكا وعلائق، ونسجل كيف أن النص يبدو اليوم أكبر من قامات بعض هؤلاء السياسيين، ذلك أنه مقابل ما يفتحه من آفاق للتقدم، نشاهد سياسيين يجرونه، ويجرون البلاد إلى العتيق من الأزمان والممارسات، ويشعلون حرب تأويل للفصول تبرر العودة إلى الخلف.
في هذه المناسبة إذن، يجدر التنبيه إلى أن هذه المحطة التاريخية لم تكن «تكتيكا» فرضه السياق الإقليمي، وإنما هي كانت جوابا مغربيا عن سؤال مغربي، وتفاعلا واعيا مع دينامية وطنية أسست لتميز النموذج المغربي في الإصلاح، وبالتالي، فمن يعتقد اليوم أن الوقت قد حان لإعلان العودة إلى ما قبل فاتح يوليوز 2011 هو واهم ومخطئ، وهو يجر البلاد إلى … المنغلق.
ومن يعتقد أيضا أن الشعوب «نسيت» مطالبها الرافضة للتحكم والهيمنة والفساد، والملحة على الإصلاح ودولة القانون والحكامة الجيدة، فهو مصاب بالعمى وبلا بعد نظر.
في ذكرى مرور عامين على الدستور، يطرح اليوم على الطبقة السياسية المغربية سؤال كبير يرتبط بضرورة أن ترتقي بعقليتها ومنظومة عملها إلى مستوى ما أسس له النص الدستوري من آفاق، ويطرح على بلادنا برمتها أن تجدد إصرارها العام على مواصلة مسلسل التغيير، في السياسة والاقتصاد والمجتمع، أي أن ترفض العودة إلى الوراء.
المطلوب اليوم هو السير إلى الأمام.

Top