تبخيس… السياسة

نبه كثيرون إلى  مخاطر تبخيس العمل السياسي، وحذروا من استهداف نبل السياسة في بلادنا، كما لفتوا إلى أن هذا التبخيس لم يعد  يتم بواسطة تزوير الانتخابات كما كان يجري  ذات زمن، وإنما صارت لذلك تقنيات مغايرة وتجليات مختلفة ومتعددة في مشهدنا العام.
إطلالة بسيطة على أبرز»القضايا» التي يحفل بها الاهتمام الصحفي هذه الأيام تجعلنا نتساءل فعلا عما إذا كانت البلاد بلا قضايا أو مشاكل، ونستغرب كيف يتم الإصرار على الفرص الضائعة.
في بداية عام جديد حافل بالانتظارات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وبدل إبراز المشكلات المجتمعية الجوهرية والإصلاحات الكبرى، نجد أمامنا سيلا من الشتائم وتبادل الاتهامات بين الفرقاء السياسيين، وتركيزا على … اللاشيء.
عامان اكتملا هذه الأيام  في عمر الحكومة، وهي مناسبة تتيح  التركيز على الإصلاحات والانتظارات المعبر عنها في الساحة اليوم، وتعبئة الاهتمام العام للانكباب عليها.
في هذه الأيام يتم الانكباب أيضا على ورش إصلاح أنظمة التقاعد، وتلك أيضا قضية كبرى تستحق تركيز الاهتمام عليها، تماما مثل إصلاح المقاصة والجبايات ومساعدة النسيج الاقتصادي الوطني وتحسين المالية العامة وتقوية القدرة الشرائية للفئات الفقيرة والمتوسطة من شعبنا…
في بداية الموسم السياسي الجديد، يستحق موضوع التعليم اهتماما إعلاميا وحكوميا ومجتمعيا أكبر، خصوصا بعد خطاب الملك، وعقب السجال الذي جرى مؤخرا بخصوص المسألة اللغوية…
في مستهل دورة برلمانية جديدة، كان من الأجدر كذلك  التأسيس الإعلامي والمجتمعي لاهتمام ومتابعة أكبر بمسار التشريع ومسلسل تطبيق الدستور وإخراج القوانين التنظيمية ذات الصلة…
كل هذه القضايا وغيرها كانت تستحق أن تكون في مقدمة الاهتمام الإعلامي والمجتمعي ببلادنا هذه الأيام، بدل كل هذا الهوس الغريب بحفلة الشتيمة و»المعيار»بين بعض سياسيينا…
إن من يتفرج على مشاهد هذه الحفلة الجنونية السخيفة يكاد يعتقد أن البلاد بلا مشاكل، وأن شعبها بلا مطالب أو انتظارات، وهو أمر، مع الأسف، غير صحيح.
البلاد بها كثير مشاكل، وهي تواجه كثير تحديات، ومطلوب منها اليوم الاستنفار لمواجهتها وللعمل على ربح كل الرهانات، اقتصادية أو اجتماعية  أو ديمقراطية…
ولا يمكن أن تنجح البداية إلا من خلال استعادة الرصانة والهدوء لساحتنا السياسية، ثم العودة إلى… السياسة.
لقد مثلت التجربة السياسية المغربية، القائمة على التعددية والديمقراطية، باستمرار محور تميز النموذج الإصلاحي المغربي، وأنتجت التجربة عبر تاريخها كثير قامات كبيرة وزعامات ونخب نجحت باستمرار في إضفاء الجدية على ممارستنا الحزبية والمؤسساتية، وهذا بالذات ما نحن في حاجة إليه اليوم.
[email protected]

Top