تسوية أوضاع الأجانب

تتواصل عملية تسوية وضعية الأجانب المقيمين بصفة غير قانونية، وفق مقتضيات المبادرة التي أعلن عنها المغرب ونالت كثير تقدير في المحافل السياسية والحقوقية المهتمة بقضايا الهجرة واللجوء، وتعرف العملية إقبالا وتفاعلا واضحين من طرف المعنيين بها في مختلف مناطق المملكة.
من المؤكد أن الهجرة صارت اليوم تشهد كثير تحولات، وانتقلت مثلا لتصير شاملة لهجرة بين بلدان الجنوب نفسها، حيث باتت بلدان مثل المغرب تعتبر وجهة لاستقرار المهاجرين وليس فقط محطة عبور نحو أوروبا، كما أن الهجرة لم تعد اليوم فقط من أجل تحسين أوضاع اقتصادية واجتماعية للمقبلين عليها، بل صارت اضطرارية بحكم الحروب والنزاعات المسلحة المتفشية، خصوصا في بلدان افريقيا جنوب الصحراء…، وكل هذا جعل بلادنا اليوم، بحكم موقعها الجغرافي تواجه تدفقا كبيرا للمهاجرين، أفارقة وأيضا أسيويون ومن بعض البلدان العربية والأوروبية…
وترتيبا على هذا، فقضية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين صارت واقعا فرض نفسه في المغرب، ويتطلب التعاطي معه وإيجاد الحلول لإشكالاته، وهو المطلب الذي عبرت عنه دائما جمعيات مغربية ودافعت عنه، كما برزت أصوات من داخل المهاجرين أنفسهم وشكلوا حتى نقابات للحديث باسمهم.
وعندما قامت بلادنا بالإعلان عن قرارات جريئة وغير مسبوقة مقارنة بباقي بلدان الجنوب، فان ذلك يندرج أولا ضمن تفاعل ايجابي مع مطالب عبر عنها داخل المغرب ومن لدن حقوقيين مغاربة، وذلك قبل أن يكون انخراطا ضمن توجه عالمي أو استجابة لمناشدات أو ضغوطات دولية.
من جهة أخرى، فالبلاد التي لا تتردد في مناهضة أي تعسف أو تمييز في حق مواطنيها المقيمين في دول مختلفة، والتي تحضر باستمرار في كل المبادرات الاقليمية والدولية ذات الصلة بالمهاجرين وحقوقهم، لا يمكنها اطلاقا أن تبقى غافلة عن ضرورة العناية بمن اختار الهجرة اليها أو الاقامة فيها، وبالتالي، فان الخطوة التي أقدمت عليها المملكة اليوم تمثل سلوكا منطقيا ضمن ممارستها السياسية العامة.
وإضافة الى ما سبق، فان المسار الديمقراطي وأيضا الدينامية الحقوقية العامة الجاري تمتينهما في المغرب، لا يستقيمان بلا  مقاربة شمولية تعني كذلك الأجانب المقيمين بيننا، ولا من دون التزام بكامل المواثيق والمعاهدات ذات الصلة بحقوق الانسان كما هو متعارف عليها كونيا.
إن المبادرة المغربية، بناء إذن على كل ما سبق، تعتبر فعلا خطوة شجاعة، وهي بقدر ما تؤكد انخراط بلد من الجنوب في المجهود الدولي، فإنها أيضا تفرض تقوية انخراط بلدان الشمال في العمل من أجل سياسة دولية جديدة للهجرة واللجوء، وتوفير الموارد المالية الضرورية لإنجاحها.
وبالنسبة لبلادنا، فإن المبادرة الجاري اليوم إنجازها تتطلب أيضا تقوية التحسيس والتوعية وسط مختلف فئات شعبنا « في المدارس، عبر وسائل الإعلام من خلال المساجد…»، وتعزيز التعاون والشراكة بين السلطات ومنظمات المجتمع المدني، وذلك من أجل حث كافة المواطنات والمواطنين على التعامل بايجابية مع المبادرة وتملك أهدافها الانسانية والحقوقية، ومحاربة كل الخطابات والأفكار العنصرية والتمييزية.
[email protected]

Top