رعونة في البرلمان

الهجوم الذي استهدف أمس وزير الصحة البروفيسور الحسين الوردي يكشف ليس فقط حجم الرعونة والوقاحة في السلوك والأخلاق وإنما هو دليل إضافي على الهلع الذي تلبس عددا من أباطرة القطاع ولوبيات الريع الذين لا يخجلون في الاغتناء على حساب مرض الفقراء من شعبنا وعوزهم، وبالتالي هم يواجهون بجهالة كل مبادرة للإصلاح أو لتنظيف القطاع وإعادة الاعتبار للقانون.
عندما يمس البروفيسور الوردي في أسرته ويتم تهديد ابنته، وعندما تنشر كتابات تحت الطلب هنا وهناك تشهر به وتبخس الإصلاحات الجوهرية التي يقف خلفها ويدافع عنها، وعندما تمارس عليه الضغوط، ترهيبا وترغيبا ومحاولة إرشاء، فهذا يعني أن عمله وصدقه ونزاهته هي كلها أشياء تزعج، وأيضا تثير خوف لوبيات الفساد والمطبلين لها.
وعندما يصمد الوزير التقدمي أمام كل هذا، وعندما تصطف الحكومة خلفه مساندة وداعمة، وتبدي أوساط مهنية واجتماعية عديدة الثقة في مصداقيته، فان اللوبيات الانتفاعية يعمها الرعب، ولا تجد سوى الوقاحة جوابا، فتخرج عارية أمام الملأ تهاجم الوزير وتهجم عليه.
شعبنا يعاني من صعوبة الولوج الى العلاج، ويعاني من غلاء أسعار الدواء، ومجالس الحديث تروي باستمرار قصص المعاناة في المستشفيات، وحتى قبل الوصول إليها، وهذه كلها وقائع موجودة وليست متخيلة، وبدل الاختباء اليوم داخل جحور نفعية والدفاع عن المصالح الأنانية، يجدر التقدم الى الأمام وطرح بدائل لرفع المعاناة، وتقديم حلول لما يعانيه شعبنا من مشاكل…
هذا هو المطلوب اليوم من الأوساط الريعية التي تهاجم الوزير الوردي، وهنا تتجلى المسؤولية الوطنية والأخلاقية تجاه المواطنات والمواطنين، أما الوزير فقد اختار الانتماء الى شعبه والى قناعاته المبدئية والاصرار على خدمة الناس أولا وقبل كل شيء.
من جهة ثانية، لقد كتبنا أكثر من مرة عن وقائع وسلوكات تكشف عن بؤس السلوك السياسي المميز لممارسة صارت تتربص بنا منذ فترة، ولكن لم نكن نتصور لهذا البؤس أن يصل الى درجة الانحطاط الأخلاقي كما حصل أمس في حق وزير الصحة.
والأكثر إثارة للاستغراب والحيرة أن ما حصل جرى داخل المؤسسة التشريعية، وبشكل لا يخلو من طيش وإهانة لحرمة المؤسسات، فمن سمح إذن للمعتدين بولوج فضاء البرلمان؟ ولأية غاية بالضبط؟
ثم هل ممارسة المعارضة تجاه وزير الصحة، أو تجاه الحكومة ككل هي العمل على اصطحاب من يتولى ذلك بالنيابة، ولو كان من خارج البرلمان، أو حتى لو استعمل في ذلك رعونة مراهقي الشوارع والحواري؟
إن ما حدث في البرلمان أمس لا يقبل التعاطي معه وفق أي اصطفاف حزبي ضيق، وإنما هو سلوك يجب أن يكون مرفوضا ومدانا من لدن الجميع بلا استثناء لأنه وقاحة ورعونة وينطلق من عقليات لا يمكن وصفها إلا بالإجرامية.
ما تعرض له البروفيسور الحسين الوردي يجب أن يكون موضوع تحقيق جدي وفوري بغاية تحديد المسؤوليات، أولا حول من سمح بإدخال أشخاص لا علاقة لهم لا بالبرلمان ولا باللجنة المجتمعة إلى بهو المؤسسة التشريعية، ثم التحقيق مع مقترفي فعل الهجوم أنفسهم وفق ما يفرضه القانون، بالإضافة إلى التحقيق والبحث في المنظومة الاجرائية المؤطرة للعمل داخل المؤسسة بما يصون أمن وسلامة كافة الأطراف، وزراء وبرلمانيين، ويحافظ على الجدية والاحترام.
أما الوزير الوردي  فتوجد خلفه ثقة المغاربة المتطلعين إلى الإصلاح، وهي السند الرئيسي الداعم له وللإصلاحات التي يباشرها باسم الحكومة في قطاع الصحة.
[email protected]

Top