مرحلة جديدة في تونس

دخلت تونس مرحلة سياسية جديدة بعد التصويت على دستور جديد وتشكيل حكومة حيادية يعول عليها التونسيون لتقود بلادهم إلى تنظيم انتخابات تشريعية تنهي مرحلة الانتقال الديمقراطي وتثبيت استقرار سياسي ومجتمعي في البلد الذي كان أول من أطلق شرارة انتفاضات الشعوب العربية.
إن تقييم الوقائع السياسية والتحولات المجتمعية لا يكون طبعا بواسطة القناعة العاطفية، أو انطلاقا من فهم بليد يتعاطى مع الأمور كما لو أنها تسير بشكل خطي بلا اعوجاج أو انحراف أو مقاومات أو صراع، ولهذا، فإن ما حدث في الأيام الثلاثة الأخيرة بتونس لا يعني أن بلاد»ثورة الياسمين»انتصرت على كل المثبطات، أو أنها ابتعدت عن كل المخاطر، ولكنها فعلا هي أسست اليوم لمرحلة جديدة واعدة.
الدرس في ما حدث، يكمن إذن في هذا الانتصار لمنهجية التوافق، ولن نمل هنا من التذكير بأن هذا هو المدخل لاستعادة الاستقرار المجتمعي، ولتوضيح محددات العمل المشترك من أجل البناء، وكما أن الأسلوب نجح دائما في المغرب، فإن التونسيين اليوم يضيفون  دليلا ثانيا على أن شجاعة التنازل بين الأطراف السياسية المتنافسة يمكن أن توصل الجميع إلى مواقف مشتركة لفائدة البلاد والشعب.
يبقى أن تونس اليوم مطالبة بإنجاح عمل الحكومة الجديدة، وهي أيضا مدعوة لكسب رهان الجوانب الاقتصادية والمالية والاجتماعية المطروحة على البلاد، وبالتالي إعادة تأسيس انطلاق الحياة الاقتصادية وتحسين الأوضاع الاجتماعية للتونسيين، وتثبيت الأمن والاستقرار في المجتمع، وهذه كلها تحديات ضخمة تستدعي دعم المجتمع الدولي والشركاء الاقتصاديين لتونس، كما أنها تتطلب انخراط الطبقة السياسية المحلية والفاعلين الاقتصاديين بغاية توفير مرتكزات موضوعية من شأنها إدامة النجاح السياسي.
لقد بلغت تونس مرحلتها السياسية والمؤسساتية الجديدة بفضل التوافق المسجل بين أغلب مكونات مشهدها الحزبي والنقابي والبرلماني، ولكن أيضا بفضل توفر مجتمع مدني نشيط وذي مصداقية وتاريخ، وهذا أيضا درس ثان يمكن التقاطه من التجربة التونسية، حيث أن صيانة حيوية المجتمع، وتمتين تعددية جمعوية ونقابية حقيقية، بالرغم من كل ما اقترفه النظام الديكتاتوري السابق، فضلا عن انخراط النخب السياسية والجامعية التونسية في النقاش العمومي، كل هذا مكن من تشكيل وعي مجتمعي عام ساند التحولات الجارية، ودعم الوصول إلى توافق سياسي، وحما ثوابت الحرية والديمقراطية والانفتاح والمساواة…
اليوم، من المؤكد أن الدستور التونسي يتضمن مبادئ عامة، وهي التي تجسد كذلك محاور التوافق العام، ولكن البلاد مقبلة على مسار طويل لا يخلو من تعقيدات ومخاطر، وهذه هي المرحلة التي تتطلب تقوية اليقظة، وتفعيل قوانين وسياسات وبرامج تبرز للتونسيين الإنجاز على أرض الواقع، وتؤكد لهم أن الديمقراطية والتوافق لهما انعكاسات ايجابية  ملموسة على معيشهم اليومي ومستقبلهم، وهنا سيكون الشعب هو المدافع على التحول الجاري والمصر عليه، وحينها فقط ستكون البلاد فعلا قد نجحت في دخول عهد جديد.
مبروك للأشقاء في تونس..
شكرا لهم على  كوة الأمل التي فتحوها  أمام الشعوب العربية…

Top