مسار

نتفق بداية على ضعف وعشوائية المواكبة التواصلية والتحسيسية لعمليات تنزيل منظومة البرنامج المعلوماتي «مسار»، وهو ما تداركته الوزارة الوصية متأخرة،

كما ينبه هذا الأمر إلى حاجة الحكومة إلى الانكباب العاجل والجدي على سياستها التواصلية المرتبطة بالمنجز وبالقرارات والمواقف.
وفي المقابل، فإن «مسار» كشف لنا عن عمى سياسي خطير من شأنه أن يودي بالبلاد كلها إلى المجهول إذا تكرس كعقلية سياسية، وكأسلوب عمل لدى بعض الأحزاب والهيئات الأخرى.
لقد تابعنا احتجاجات التلاميذ في أكثر من مدينة ضد «مسار»، وسمعنا من داخلها  تخوفات وانتقادات ومؤاخذات لا علاقة لها بما يتضمنه البرنامج المعلوماتي، وهي تنم عن الافتقار الواضح إلى المعلومة، لكن بدل نهج أسلوب موضوعي وتربوي للتفسير والشرح لفائدة التلاميذ وأسرهم، عم التنافس في إيجاد التسميات والصفات لما يحدث.
وهكذا سمعنا وقرأنا من يتكلم عن «ثورة التلاميذ»، وعن «غضب التلاميذ»، ومن يحمل الحطب ويزيد في إشعال الحرائق، ومن يعد المسيرات، حتى صرنا نعتقد أن الحديث يهم بلدا آخر غير المغرب…
وحتى من كان لسنوات قريبة خصما شرسا للحركة الطلابية ولنضالات التلاميذ، صار اليوم يحث عل «ثورة التلاميذ» ويحشد لها، ومن كانت فرائصه ترتعش فقط لسماع كلمة «ثورة» صار اليوم يخصص لها المانشيطات وعناوين الصفحات الأولى، ولم نجد لكل هذا تفسيرا سوى أنها الشعبوية عندما تتحول إلى عمى، ويفتقر أباطرتها إلى كل إحساس بالمسؤولية تجاه هذه البلاد ومستقبلها.
لقد قلنا في السطر الأول هنا بأن ضعفا وعشوائية ميزا موقف الوزارة الوصية للتعريف بهذا البرنامج، ولكن هذا لا يبرر انقضاض بعض سياسيي الساعة الخامسة والعشرين على عقول التلاميذ، والإمعان في التغليط والتجييش، حتى ولو كان ذلك سيؤدي إلى كل انفلاتات الدنيا.
من حق قوى المعارضة أن ترفض السياسات العمومية وتنتقدها وتعبئ ضدها، لكن ليس من حقها الاستنجاد بالمغالطات، واللعب بالنار في حق مصلحة البلاد واستقرارها، وإذا كان البعض يفهم المكاسب السياسية والانتخابية بهذه الطريقة، فمن حق شعبنا أن يخشى على بلاده من أمثال هؤلاء السياسيين.
وإذا كان البعض ينشر المغالطات والإشاعات وسط التلاميذ  فقط ليتفادى هو إنجاز المطلوب منه بحكم الوظيفة والمسؤولية التي يتحملها في القطاع، فهذا يؤكد خطورة المآل الذي وصله تعليمنا فعلا، والحاجة المستعجلة لإصلاح جدري وشامل.
لم نسمع من كل هؤلاء الثوريين الجدد أي نقد ذاتي لدورهم هم في ما وصل إليه قطاع التربية والتعليم، ولم نسمع منهم أي مقترح جدي لإنقاذ أطفالنا وشبابنا وصيانة مستقبلهم، بل سمعنا فقط خطابات سياسوية ديماغوجية تفتقر إلى الجدية وإلى… العقل.
بعض هؤلاء «السياسيين» يحتاجون إلى…  السياسة.

Top