في إفريقيا مصلحة وطنية أولا

الاتفاقات والمشاريع التي يعلن عنها في البلدان الإفريقية التي يزورها هذه الأيام جلالة الملك لا تجسد فقط رؤية إستراتيجية لتنمية هذه البلدان أو القارة برمتها، وبالتالي انخراط المملكة في صنع إفريقيا المستقبل، والنهوض بالأوضاع الاجتماعية والتنموية لشعوبها، وإنما هي أيضا لا تخلو من بعد مرتبط بالمصالح المغربية نفسها، وهذا ما لم يبرز كثيرا في كتابات المتابعين للجولة الملكية وقراءات المحللين.
إن الانفتاح الذي يباشره المغرب منذ مدة تجاه الأسواق الإفريقية والشراكات الثنائية المبرمة مع عدد من بلدان القارة، يمثلان توجها اقتصاديا استراتيجيا في ظل المصاعب المحلية والأزمات المحيطة، وأيضا أمام تعنت النظام الجزائري وانحسار الامتداد المغاربي.
وهذا التوجه المنطقي الساعي لإيجاد فرص تطور وامتداد للاقتصاد الوطني، هو الذي يستفز الجار الشرقي للمملكة، ويثير مخاوف لوبيات فرنسية، وبالتالي يحرك حملات عداء وتهجم على المغرب، ما يتطلب اليوم كثير إصرار من بلادنا، وسعي ذكي لإنجاح التوجه، وكسب الرهان.
المملكة اليوم تعرض مصداقيتها أولا ووضوح رؤيتها، وأيضا ما تتميز به من استقرار وأمن ودينامية عامة، وكل هذه الأوراق يفتقدها النظام الجزائري، فضلا عن الارتباط الروحي والثقافي والديني لعدد من الشعوب الإفريقية مع المغرب، ولهذا فهي لا تتسابق مع أحد في إفريقيا، وإنما تتواجد في عمق انتمائها الجغرافي والثقافي والحضاري والاستراتيجي.
عندما تبادر المملكة إلى تكثيف شراكتها الاقتصادية والاستثمارية والتجارية مع إفريقيا أو مع البلدان الخليجية أو مع وجهات أخرى في العالم، فهي أولا تمارس حقها السيادي في تدبير مصالحها الاقتصادية وفق ما تقتضيه حرية الفعل الاقتصادي التي لا تتردد مختلف القوى الدولية العظمى في التغني بها، لكنها لا تقبل بها سوى لنفسها ودفاعا عن مصالحها الذاتية، كما أن الرهان على إفريقيا اليوم لا يعني إغفال أو إلغاء باقي الشراكات الاستراتيجية التي تجمع المملكة سواء مع أوروبا أو غيرها، كما أن ذلك لن  يضعف إرادة المغرب وتطلعه إلى الوحدة المغاربية…
بقي التأكيد على أن هذه الدينامية الاقتصادية التي يقودها جلالة الملك في إفريقيا تفرض اليوم تقوية انتباهنا إلى ضرورة الاستعداد الدائم لمواجهة كل من يستهدف إفشالها بطرق مختلفة، بالإضافة إلى أنه من المهم إدراج كامل الدينامية الاقتصادية ضمن واقع العلاقات الدولية المعاصرة التي تنتصر أولا للمصالح الوطنية.
[email protected]

Top