البيت الأبيض منقسم حول الوضع في سوريا

دعوات بسوريا لمحاكمة المسؤولين عن أحداث درعا والخروج في «جمعة الشهداء»
دعا محتجون في سوريا للمرة الثالثة إلى التظاهر بعد صلاة الجمعة غداة إعلان السلطات الإجراءات المتوقعة لتهدئة حركة الاحتجاج غير المسبوقة في البلاد، عبر تشكيل لجان حول قانون الطوارئ وقتلى درعا واللاذقية
وبصورة تزيد عن الصراعات التي تشهدها تونس وليبيا والبحرين، وربما حتى تزيد عن سقوط نظام الرئيس حسني مبارك في مصر، جاءت أحداث العنف التي شهدتها سوريًا أخيرًا لتشكِّل تحديًا للإستراتيجية التي تنتهجها إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في الشرق الأوسط.
ويمكن مشاهدة الدوافع المتناقضة داخل الإدارة الأميركية في التصريحات التي أدلت بها أخيرًا وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، حيث سبق لها قبل بضعة أيام أن وصفت الرئيس السوري بشار الأسد، بـ»المصلح»، وفي التاسع والعشرين من الشهر الجاري، أدانت بشدة خلال تواجدها في لندن القمع الوحشي الذي تمارسه الحكومة السورية بحق المتظاهرين.
وهو ما جعل مجلة «فورين بوليسي» الأميركية تتساءل اليوم بخصوص الرأي الذي يسود الآن عن الأسد، والطريقة التي تتجاوب من خلالها الولايات المتحدة مع الأحداث في سوريا، ومدى ارتباط ذلك على طول الخط بتحديد الطريقة التي تغيرت من خلالها بشكل كبير السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، نتيجة الانتفاضات والاضطرابات التي شهدتها أخيرًا.
ثم مضت المجلة تلفت إلى تغير النهج الذي يتعامل من خلاله أوباما مع سوريا منذ وصوله إلى البيت الأبيض، حيث اختار أن يعود إلى سياسة التواصل، بدلاً من أن يواصل ممارسة الضغوط على النظام هناك. فقد كان يُنظَر إلى سياسة الضغط على أنها سياسة غير مجدية، وأن التعامل مع الأنظمة المعادية على نطاق واسع كان يُنظَر إليه على أنه الآلية التي يمكن وصفها بـ»الواعدة» على الصعيد الدبلوماسي.
وربما الأكثر أهمية، هو أن يُنظَر إلى سوريا على أنها إحدى المحاور المهمّة في سبيل إحراز تقدم بعملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لكن بعد عامين من بدء هذا النهج من جانب واشنطن، فإنه لم يسفر عن أي نتائج إيجابية. فدمشق لم تزد من امتثالها للوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تحقق في نشاطاتها النووية السرية، ولم تقلص من تعاونها مع إيران وحزب الله، أو تحد من تدخلها في الشأن اللبناني، أو تزيد من تعاونها مع المحكمة الدولية المعنية بالتحقيق في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. وعلى الصعيد الداخلي، وبعيدًا من كونه مصلحًا، أكدت المجلة أن الأسد يشرف على نظام يتم تصنيفه على أنه أسوأ في ما يتعلق بالحقوق السياسية من النظام الخاص بالرئيس حسني مبارك في مصر.
ولم يشهد المسار السوري – الإسرائيلي أي تقدم، ولم تلعب سوريا أي دور في محادثات السلام المتجمدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لكن السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة حالياً تجاه سوريا لم تكن غير ناجحة فحسب في نتائجها، لكنها كانت معيبة في مفهومها.
وعلى الرغم من أن القيم والمصالح الأميركية تدعونا إلى دعم الحرية والسيادة بالنسبة للفلسطينيين، إلا أن نفس هذه القيم تمنعنا من المساومة على حرية الشعبين السوري واللبناني لإقامة دولة فلسطينية. وبالمثل، ليس هناك من سبب وجيه للاعتقاد بأن بشار الأسد مهتم في واقع الأمر بالسلام السوري- الإسرائيلي، فحالة الحرب المعلنة في سوريا مع إسرائيل تبرر «قوانين الطوارئ» الدائمة هناك، كما أن علاقاته بإيران وحزب الله التي سيحتاج إلى التضحية بها لإبرام اتفاق تعود بنفع كبير على نظامه، بحسب ما ذكرته المجلة.
وهناك بعض الإشارات التي تدل على أن البعض بداخل إدارة أوباما يدرك الحاجة إلى تغيير النهج الذي يتم التعامل من خلاله مع سوريا. وتابعت المجلة حديثها في هذا الشأن بقولها إن مغازلة الأسد سعيًا وراء تحقيق أهداف إقليمية مع إهمال ما يحدث داخل سوريا، أمر لا يمت بصلة للسياسة الواقعية، وأوضحت أن ذلك قد يكون مرضيًا من الناحية السياسية بعمله على تلطيف العلاقات الثنائية، لكنه بعيد من الواقع بشأن تقليل التأكيد على آثار الركود السياسي والاقتصادي في المنطقة للمصالح الأميركية.
وختمت المجلة الأميركية بلفتها في هذا الجانب إلى أن هناك حاجة إلى إتباع نهج أكثر إبداعًا، وأكثر تبشيرًا، يكون مشتملاً على ضغوط اقتصادية وسياسية منشطة باستخدام العقوبات وتقديم الدعم لناشطي الديمقراطية في سوريا. هذا وطالب مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية والمنظمة الوطنية لحقوق الإنسان بتشكيل لجنة وطنية محايدة من أصحاب الاختصاص لمحاسبة وتجريم من ارتكب هذه الجريمة بحق المتظاهرين في درعا وباقي سوريا، فيما طالبت خمس منظمات حقوقية بوقف حملة الاعتقالات التعسفية، وأعلنت إحالة نشطاء سوريين إلى المحاكم العسكرية.
وشدد ناصر الغزالي مدير مركز دمشق في تصريح خاص لـ»إيلاف» على «ضرورة استبدال الخيار الأمني المعتمد بخيار الاستجابة لمطالب المتظاهرين، وعدم وضع الرأس في الرمل، والقول إن ما يجري فتنة صنّعها الخارج».
وأشار إلى «أنه يجب إعادة الاعتبار للمواطنة والحرية على استبداد النظام، ومواجهة إيديولوجيات حالة الطوارئ بحرية التعبير والرأي والتنظيم والتظاهر، والتصدي للفساد والتوزيع العادل للثروة والعدالة الاجتماعية».
وشهدت سوريا خلال الأسبوع الماضي مظاهرات سلمية، وأكد بيان مشترك لمركز دمشق والمنظمة الوطنية، تلقت «إيلاف» نسخة منه، «أن هذه التظاهرات تعد وسيلة من وسائل التعبير عن الرأي، وحق من الحقوق المشروعة لأي شعب من الشعوب، والتي كفلتها المواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية (كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للعام 1966 )، كما كفلها الدستور السوري وبشكل صريح».
واعتبر البيان «أن الملفت للنظر في هذه المظاهرات والاعتصام رد فعل السلطة ورجالاتها من قوات الأمن والدولة، والتي نزلت إلى الشوارع… (ممارسة) القتل العمد للمدنيين العزل والذي تجاوز عددهم 109، وهو الموثق لدينا بالأسماء وأماكن قتلهم وطريقة القتل»،  وأشار البيان إلى «تحضير قائمة  كاملة للشهداء والمعتقلين، إضافة إلى الاعتقالات التعسفية وخطف الجثث والجرحى وإرهاب المدنيين والتي تصل إلى حد الجرائم ذات الصبغة الدولية، والتي جرمتها الاتفاقيات الدولية كجرائم ضد الإنسانية».
واعتبر البيان «أنّ أغرب ما في الأمر تجاهل السلطة للمطالب المحقة بالإصلاح، وباعترافها من خلال الوعود، كما تجاهلت الاعتراف بالشهداء بل اتهمتهم على أنهم مغرر بهم في إثارة الفتنة القادمة من الخارج، الأمر الذي يشكّل انتهاكا صارخاً لميثاق الأمم المتحدة الذي تعد سورية أحد أعضائها، وخرقا لقواعد القانون الدولي الأمر الذي يعكس الصورة الحقيقية للاستبداد والحكم المطلق والتفرد بالسلطة للنظام السياسي في سوريا».
ولفت البيان إلى «موقف وسائل الإعلام الموجه، بالتعتيم على تلك المظاهرات من حيث حجمها وسعتها، وأعداد المشاركين فيها، وطريقة التعامل اللاانسانية وغير القانونية معها من قبل السلطة، ومحاولة إظهار هذه المظاهرات وما تنادي بها من مطالب مؤامرة وفتنه تهدد سوريا وهو ما يرفضه المتظاهرون في سوريا».
وانتهى البيان للقول «إن ما يجري في سوريا يشكل انتهاكاً صارخاً وواضحاً للحقوق والحريات..، والذي يحتاج منا وقفة صادقة ومعبرة من أجل تعزيز صمود الشعب المنتهكة حريته بالتظاهر والاعتصام، وصولاً لتحقيق مطالبه بالإصلاح والتغيير».

Top