التوتر

لم تسلم الجلسة الشهرية الأخيرة لمساءلة رئيس الحكومة من أجواء التوتر والخلاف، وأيضا من احتداد في القول، وقدمت لنا مؤشرا جديدا على أن الخلاف السياسي بين الأطراف صار مقترنا بالتوتر، سواء داخل البرلمان أو خارجه.
التوتر لم يعد يثير فقط قرف المتابعين لشأننا السياسي والبرلماني، ولم يعد يزيد من نفور الشباب والنخبة من العمل السياسي والانتخابي فقط، ولم يعد يساهم في الإساءة لصورة الأحزاب والعمل الحزبي فقط، وإنما صار يؤدي إلى كل هذا مجتمعا، ويجعل طبقتنا السياسية منشغلة به، وبقاموس السباب والشتائم بين مكوناتها، وغافلة عن القضايا الجوهرية المطروحة على بلادنا وشعبنا، ومستقيلة من الاهتمام بها والانكباب على إيجاد الحلول لها.
اليوم هناك إصلاحات كبرى وجوهرية مثل تلك المتعلقة بأنظمة التقاعد والمقاصة والضرائب، تفرض الانكباب عليها باستعجال وحزم وجدية لبلورة الحلول والشروع في تنفيذها، وهذا يعني انخراط الأغلبية والمعارضة معا في هذا الورش الوطني، ويعني مشاركة المركزيات النقابية بجدية ومسؤولية ووعي.
هذا تحدي حقيقي يفرض استنفار كل الفرقاء السياسيين والاجتماعيين من أجل كسبه، بدل كل الوقت الذي ضاع في لوك الكلام عن تنصيب الحكومة وعن الطعن في قانون المالية وغير ذلك مما  قرر المجلس الدستوري رفض الطعون المتعلقة به.
اليوم أيضا مطروح على طبقتنا السياسية الواقع المعيشي لفئات واسعة من شعبنا، ومعاناتها مع مشاكل التعليم والصحة والسكن والتشغيل وغلاء الأسعار، وهذا يستلزم التشخيص الواقعي والموضوعي للمشاكل والسياقات، والبحث الجدي عن الحلول والآليات، والتفكير أولا وقبل كل شيء في ضرورة خدمة شعبنا وتحسين ظروفه الاجتماعية، وصيانة استقرار بلادنا، وذلك بدل كثير كلام يقفز من هنا وهناك لا تخفى شعبويته وديماغوجيته.
إن إنجاح الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، وحماية القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة من شعبنا، تمثل اليوم أكبر أوراش المغرب في العام الجديد، ويجب تمتين التعبئة الوطنية من أجل ذلك.
وبالنسبة للقوانين التنظيمية وكامل الأجندة التشريعية والتنظيمية ذات الصلة بتطبيق الدستور، فهي أيضا مسؤولية مشتركة بين الحكومة والبرلمان، ومن ثم، فهي تتطلب مسؤولية عالية من الجميع، وانخراطا جديا في تفعيل التأسيس لزمن دستوري ومؤسساتي جديد في بلادنا، وذلك بدل التيه في الكثير من الشكليات، التي تؤدي في الأخير إلى ترك هذه الإصلاحات المركزية معلقة ومؤجلة إلى حين.
كل هذه المهمات الوطنية، فضلا عن السياق العام في بلادنا وبجوارها الإقليمي، تفرض الانتقال بمقاربة طبقتنا السياسية إلى مستوى أكبر من الجدية والمسؤولية، والانخراط في تدبير الخلافات السياسية الطبيعية بواسطة السياسية ووفق القانون، بدل كل هذا الانغماس الجماعي الغريب في التوتر الذي يكون أحيانا  عبثا وانحطاطا.
[email protected]

Top