الجامعات الشعبية

تعتبر فكرة «الجامعات الشعبية» المفتوحة أمام مختلف فئات المواطنات والمواطنين آلية هامة يمكن أن تساهم في إنماء الوعي الثقافي والمدني

والوطني لعموم شعبنا من دون أن تكون لها كلفة مالية باهظة، لكنها على غرار أفكار ومبادرات أخرى رائدة في مجالاتها لم يكتب لها الاستمرار بعد أن كانت قد أطلقتها كتابة الدولة المكلفة بالشباب في العشرية الماضية، وهي، كما فكرة «الأوراش الشعبية الكبرى» في المجال التنموي، لا زال بالإمكان الاهتمام بهما اليوم والبحث في سبل وآليات أجرأتهما على أرض الواقع، وذلك بما يمكن شعبنا من الإسهام الفعلي في النهوض بشؤون وقضايا بلده.
في الأسبوع الماضي أطلقت منظمة مدنية في سلا، هي مؤسسة الفقيه التطواني للعلم والأدب والأعمال الاجتماعية، جامعتها الشعبية ضمن هدفية عامة تسعى لتعميم الثقافة والمعرفة في مجالات مختلفة، وهي مفتوحة في وجه الجميع، ضمن عدد من الشعب والتخصصات، وفي إطار منظومة تربوية وتدبيرية متناسقة تشمل الكثير من المحاضرات والندوات والدروس، ما من شأنه تنمية المستوى الثقافي والعلمي للمستفيدين، وأيضا تدريبهم على المشاركة في الحوار حول قضايا مجتمعهم ضمن نسق ديمقراطي تشاركي وتعددي.
إن الفكرة ليست بسيطة، وإنما هي تجسد رهانا مجتمعيا حقيقيا، ذلك أن إشعاع مثل هذه المحافل القائمة على تمكين الناس من تلقي تكوينات مختلفة، ودعم ذلك بما يتيح انتشار مثل هذه الجامعات الشعبية في مختلف مناطق المملكة، وتحفيز الناس من مختلف الأعمار على الإقبال عليها، وتدبير مجرياتها بكثير من الجدية والتنظيم، وأيضا المرونة والتفاعل، سيمكننا بعد سنوات من العمل من التوفر على ملايين المواطنات والمواطنين المدركين لحقوقهم وواجباتهم، والممتلكين لمعارف ومهارات تساعدهم على النظر النقدي والتفاعلي مع الأحداث والوقائع والأشياء، وبالتالي سنكون قد ساهمنا في النهوض بالوعي العام لشعبنا، وتقوية حس المواطنة والمسؤولية لديه، وهذا سيساعد على تفعيل التعبئة وسط شعبنا من أجل إنجاح أوراش وإصلاحات كبرى في الميادين الاقتصادية والتنموية، وأيضا السياسية…
هي إذن أهداف كبرى بالإمكان بلوغها عبر تشجيع أفكار بسيطة وغير مكلفة مثل الجامعات الشعبية الهادفة إلى تعميم العلم والمعرفة، أو حملات تشجيع القراءة التي تسعى إلى تحفيز الناس على القراءة ومحاربة الأمية والارتباط بالكتاب والصحيفة، أو أيضا المبادرات التي تروم إشعاع  الفعل التنموي المحلي وإنجاح المشاريع الصغرى المدرة للدخل، أو الأخرى التي تهدف إلى التربية الصحية وتعميم الوعي الطبي، والقاسم المشترك المطلوب توفره في كل هذه الديناميات المجتمعية هو أن تتطور ضمن فضاء الحرية، و يستحسن أن يسهر عليها المجتمع المدني، وتتوفر لها الإمكانات المادية والمؤسساتية للمواكبة والتأطير والدعم والتفاعل.
بلادنا اليوم تحيا ضمن زمن دستوري مختلف عن السابق، وهي تتطلع إلى ممارسة سياسية ومجتمعية تقوم على المشاركة الشعبية المكثفة، ولهذا، فان العمل على إنماء الوعي العام وسط شعبنا هو المدخل لتحقيق أهداف الزمن المغربي الجديد، والجامعات الشعبية مثلا تتيح الوصول إلى هذا الهدف .
[email protected]

 

Top