الحكومة والثقافة

1– –

وأنا أطلع قبل الحملة الانتخابية على الحصيلة التي نشرتها الحكومة في يوليوز 2016 تحت اسم «حصيلة العمل الحكومي: منجزات وإصلاحات 2012 – 2016»، أثار انتباهي غياب قطاع الثقافة، بل وحتى لفظ «الثقافة»، من هذه الحصيلة. وهو ما دفعني وقتها، كباحث، إلى الاهتمام بالأمر، ونشر مقال عن الحصيلة التي قدمتها وزارة الثقافة،  مبديا بعض ملاحظاتي وأسئلة حولها (جريدة الاتحاد الاشتراكي بتاريخ 7 شتنبر 2016)؛ لكن، دون الإشارة إلى الموقف المذكور لرئاسة الحكومة، تفاديا لاستغلالها السياسي الممكن خلال الحملة الانتخابية.
أما الآن، وقد هدأت العواصف، وأسفرت نتائج الانتخابات عما أسفرت عنه، ضمن «اللعبة السياسية» العبثية إياها، فإن الضرورة تقتضي، ونحن إزاء تكوين حكومة جديدة (أو قديمة، لا أدري) العودة إلى هذا الموضوع، أي إلى علاقة الحكومة بالثقافة.
والبداية من سؤال: لماذا امتنعت الحكومة عن الإشارة إلى قطاع الثقافة في حصيلتها المذكورة؟ ألم تتحقق أية منجزات أو إصلاحات تذكر في هذا القطاع؟ أم لأن الحكومة لا تعترف به أصلا ولا ترتاح إلى كلمة «الثقافة»؟ أم أن المسألة ترتبط بموقف مبدئي لرئاسة الحكومة له علاقة بمواقف بعض المثقفين والفنانين «العلمانيين» من مسألة «الفن النظيف» والنقاش الذي دار حول «دفاتر تحملات الإذاعة والتلفزة»، وبعض المواقف المعادية «للثقافة العلمانية» (على غرار ما عبر عنه محمد يتيم في كتابه «الإصلاح الثقافي»، الذي لا يراه إلا إسلاميا)؟ لا أدري، لكن المؤكد أن هناك موقفا ملتبسا للحكومة، أو رئاستها على الأقل، من الثقافة.
أقول «ملتبس» لأن هناك وجهين على ما يبدو في هذا الصدد: معلن وخفي. الأول عبر عنه برنامج حزب العدالة والتنمية لسنة 2012 (وتم ذكره في برنامج عمل وزارة الاتصال) والذي وردت فيه فقرة عن قطاع الثقافة (مكتوبة بلغة علمانية تماما)، تضمنت أفكارا طموحة للنهضة بهذا القطاع وبأوضاع الإبداع والمبدعين في بلادنا. أما الثاني فهو الذي عبرت عنه،  إضافة إلى غياب الإشارة إلى الثقافة في الحصيلة الحكومية، عدد من المواقف الغريبة من الثقافة مثل: تكرر غياب هذه الإشارة في الإعلان الإشهاري للحزب المذكور عن هذه الحصيلة إبان الحملة الانتخابية (الموجود إلى اليوم على صفحات الأنترنت)، واستجواب رئيس الحكومة مع القناة الإلكترونية 360، الذي لم يتحدث فيه عن منجزات القطاع الثقافي مكتفيا بالقول بأنه لا مشكلة لديه مع الثقافة وأنه يزور المتاحف ويشاهد الأفلام أحيانا، بل وأنه نصح وزير الثقافة بالمطالبة بالرفع من ميزانية وزارته، ولكنه لم يفعل.
أترك الجواب عن هذه «الطرفة» للوزير المعني، وأكتفي من جهتي بتذكير رئاسة الحكومة ببعض الأرقام والمعطيات المتعلقة بالحصيلة الثقافية 2012 – 2016 كما قدمتها الوزارة المعنية، التابعة لحكومته، والتي تفيد بما يلي:

أولا- بلغت الاستثمارات المتعلقة بالثقافة نحو 5 ملايير درهما، خلال هذه الفترة، نحو ثلثيها يتعلق بالمسرحين الكبيرين: الرباط والدار البيضاء (3،5  ملايير درهما).
ثانيا – إن ميزانية الوزارة ارتفعت بـ 19 % من 2012 إلى 2016، على الرغم من أنها ظلت في حدود 0,22 % من ميزانية الدولة.
ثالثا- إنه تم بناء 54 مركزا ثقافيا، أي بمعدل أكثر من 10 مراكز كل سنة.
رابعا- إن الدعم العمومي الذي قدمته الوزارة للإبداع والمبدعين بلغ نحو 65 مليون درهما سنة 2016. (والتي يجب أن تضاف إلى  نحو 90 مليون درهما التي قدمتها وزارة الاتصال للسينما ومهرجاناتها).
رابعا- إعداد مشروع استراتيجية للتراث الثقافي «التراث 2020»، ومشروع للتدبير المفوض للآثار والمواقع الأثرية وتعزيز لائحة تسجيل عدد من العناصر الثقافية ضمن التراث العالمي لليونسكو.
خامسا- إعداد، أو المساهمة، في عدد من القوانين المتعلقة بالثقافة والفنون على رأسها: النص التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وقانون الفنان والمهن الفنية.
صحيح أن هذه المنجزات غير كافية، وأن قطاع الثقافة ما فتئ يشهد، مثل غيره من القطاعات، عدة اختلالات وصعوبات ونقائص نصت على بعضها الحصيلة المنشورة لوزارة الثقافة ذاتها. لكن السؤال هنا هو: هل في المنجزات المذكورة ما يجعل الحكومة تخجل من ذكرها؟ حتى وإن كانت هذه الأرقام أو المعطيات لم ترتبط بوزارة تابعة لحزب رئيس الحكومة، ولكنها على الأقل تمت في عهده، وكان من المفترض (في إطار التضامن الحكومي، الشكلي على الأقل) أن يعتز بها، بل وأن يستخدمها حتى ضد «أعدائه» الذين يتهمونه بالعداء لثقافة الحداثة. لكنه لم يفعل.  لماذا؟ لعل السبب الجوهري، في تقديري، هو الوجه الخفي المذكور، الذي يفيد أن «الإصلاح الثقافي» الإسلامي (بمفهوم محمد يتيم المنظر لهذا الاتجاه) يتعارض مع «الإصلاح الثقافي» الحديث كما اجتهدت وزارة الثقافة في تنفيذه. وهنا جوهر المشكلة.
لم يعلن هذا السيد رئيس الحكومة بوضوح، مراعاة ربما لمواقف حزبه المبدئية من الثقافة. لكنه، وللاعتراف، لم يعترض على عدد من مقترحات ومنجزات وزارة الثقافة، بل ويبدو، حسب مصادر مطلعة من الوزارة، أنه ساعدها على مستوى الميزانية أو تمويل بعض المشاريع الثقافية. ليس لدي إمكانية للتحقق من ذلك (وأترك توضيح هذا الأمر للمعنيين بالأمر)، لكن هذا التأرجح بين الرفض والقبول أو المعلن والخفي إن أثبت شيئا فقد أثبت على الأقل تأرجح أو غموض السياسة الثقافية المتبعة للحكومة. وهذه مسألة لا مراء فيها.

2- –

لكن إذا جاز اعتبار كل ما قلناه من باب الظن، «وإن بعض الظن إثم»، يبقى المستقبل. وفي هذه الحالة، يطيب لي أن أتساءل مع المتنبي «عيد بأية حال عدت يا عيد، بما مضى أم بأمر فيك تجديد؟» أي بالواضح، وقد عادت رئاسة الحكومة لذات الشخصية واتجاهها السياسي – الديني،  ما هي السياسة الثقافية التي ستعدها في برنامجها الحكومي المرتقب؟
نعم، لاشك أن عددا من الوقائع أو الثوابت المرتبطة بالنسق السياسي المغربي المعاصر، ومنها غموض مسألة صنع القرار في بلادنا (من يقوم بماذا ومن مسؤول عماذا؟) حتى في المجال الثقافي، تجعلني لا أنتظر معجزة في هذا الصدد. وبالتالي لا وهم لي شخصيا هناك، وأقصى ما أطمح إليه، وتطمح إليه معي دون شك جل الفعاليات الثقافية والفنية المعنية، هو أن يستمر القطاع الثقافي في انطلاقته الإصلاحية المتدرجة، التي تم تدشينها سنة 1998 (عهد الوزير محمد الأشعري)، وترسخت معالمها نسبيا خلال فترة 2012 – 2016 المذكورة (عهد الوزير محمد الأمين الصبيحي).
كيف؟ هذا هو السؤال الذي حاولت الإجابة عنه عدد من الفعاليات الثقافية في بلادنا (اتحاد كتاب المغرب، جمعية جذور، المورد الثقافي..) التي اجتهدت جميعها في تقديم سلسلة من المقترحات والتوصيات لتطوير قطاع الثقافة. وبالتالي لا مجال للتكرار أو التفصيل في «ما ينبغي أن يكون». لذا أكتفي هنا بإبراز أهم الموجهات الإستراتيجية الكبرى العامة، التي أتمنى أن تطبع السياسة الثقافية للحكومة المقبلة، وهي تنقسم عموما إلى قسمين: موجهات وطنية، وموجهات قطاعية:

الموجهات الوطنية:
تتطلب من الناحية المبدئية الوعي بأن الثقافة هي هذا «الكل المركب» الذي يشمل كل شيء. بما يفيد ضرورة الاهتمام بالثقافة، باعتبارها المرجعية الأعلى التي تحدد قيمنا وتوجه سلوكنا في المجتمع. إذ لا سياسة دون ثقافة، ولا اقتصاد دون ثقافة، ولا تعليم دون ثقافة، ولا تكنولوجيا دون ثقافة، ولا ترفيه حتى دون ثقافة، أي دون معنى في النهاية. وهو ما يفرض التالي:

* إعادة النظر في ثقافتنا السياسة القائمة، التي تحولت، كما يشهد عليها واقعنا السياسي البئيس، من ثقافة مؤطرة إلى حد ما (السلفية الليبرالية، الحركة الوطنية، التقدمية اليسارية..) إلى ثقافة ميكيافيلية لا تؤطرها مرجعية، دهرية كانت أم دينية، ولا يحكمها منطق إلا منطق التحكم والفتوة أو الفهلوة («التقوليب» بالدارجة). ودون مراجعة هذا الاتجاه الانتحاري، أي تغيير ثقافتنا السياسية، فلا يمكن أن نطمح إلى تطوير سياستنا الثقافية، إذ بين الثقافة السياسية والسياسة الثقافية علاقة جدلية، دونها «لا سياسة ولا ثقافة هناك ولا هم يحزنون».
* بناء عليه، تأتي ضرورة إعداد «سياسة وطنية للثقافة»، تشمل كل القطاعات المعنية، وعلى رأسها وزارات التربية الوطنية والتعليم العالي والشبيبة والرياضة والاتصال وزارة الداخلية (الجماعات المحلية) ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. وهو ما يتطلب تأسيس، خلال الثلاثة شهور الأولى من الحكومة، «لجنة وطنية للثقافة» تضم القطاعات المذكورة، لتسهر على إعداد برنامج وطني للثقافة يسمى «المغرب الثقافي»، يتم تنفيذه على مراحل، على غرار البرامج الوطنية الأخرى.
* ولعل أولى مهام هذه اللجنة الوطنية للثقافة المرتقبة ستكون هي المصادقة على مشروع الاستراتيجية الوطنية المذكورة للتراث 2020 التي أعدتها وزارة الثقافة، والشروع في تنفيذها، ضمن البرنامج المذكور (أو ضمن برنامج منفصل). وهو المشروع الذي حددت الوزارة المعنية تكاليفه بالمناسبة في نحو 3،4 ملايير درهما (المبلغ ذاته تقريبا المحدد لإنشاء المسرحين الكبيرين للرباط والدار البيضاء) ويهم نحو 135 مشروعا لحماية التراث الوطني وتثمينه، يشمل 12 جهة مغربية.
* التدقيق أكثر في منظومة الدعم العمومي للثقافة، تعلق الأمر بالمجالات المرتبطة بوزارة الثقافة أو بوزارة الاتصال أو غيرهما، بحيث لا يتم دعم إلا المشاريع الثقافية والفنية، ذات «البعد الثقافي» الحقيقي، بما يفيد استبعاد المشاريع ذات «البعد التجاري» (التي تدعم بشكل طبيعي من السوق) وتفادي ما أمكن السقوط في الريع الثقافي أو عقلية الرعاية التي من شأنها إفشال الأهداف النبيلة ذاتها المتوخاة من الدعم. وهذا لن يتم إلا بالتقييم الموضوعي السنوي لمدى التزام المستفيدين بشروط الدعم، وآثار منتجاتهم الإبداعية الفعلية على الجمهور، مادام هذا هو المنتظر في النهاية من الدعم.
* الاهتمام في هذا السياق «بالثقافة الشعبية «، التي يمكن القول إنه خارج ما تخصص لها وزارة الثقافة من ميزانية في إطار المهرجانات التراثية (22 مهرجانا)، فإن هذا الجانب من الثقافة لا يحظى لدى الوزارة أو غيرها (مثل الجامعات ومراكز البحوث) بالأهمية اللازمة، ومنها:  أشكال التدين والمعتقدات والطقوس والعادات والتقاليد والسرديات التقليدية (الأمثال والأحاجي والقصص الشعبية) والمواسم والاحتفالات (الموسيقى والأهازيج أو الرقصات الشعبية)، وغيرها من عناصر الأنثربولوجيا الثقافية، ذات الأصول والروافد المختلفة، المفترض أن تغرف منها وتغتني بها الثقافة الحديثة.
* يبقى أننا حين نتحدث عن أشكال التدين فنحن نتحدث بوضوح عن «الدين»، الذي هو جزء من المفهوم  الأنثربولوجي العام لـ «الثقافة». وهذه مسألة ذات حساسية في المغرب، كما في غيره من الدول، انتهت في بلادنا بالفصل بين «الثقافة الدينية» الموكلة لوزارة الأوقاف «والثقافة الحديثة» الموكلة لوزارة الثقافة، ولا اعتراض لي شخصيا على هذا الفصل من الناحية الإدارية أو الإجرائية. لكن، المسألة فيها نظر، إذ الحقيقة أن الثقافة الدينية التقليدية هي السائدة، بل وتحظى بأولوية الدولة على حساب الثقافة الحديثة. وهذا ليس من شأنه خدمة لا الثقافة ولا الدين. ولا حل، في تقديري، لهذه المعضلة إلا بمراجعة الفكر الديني وضمان انفتاحه على الثقافة الحديثة.
* وغني عن البيان أن هذه المراجعة لا يمكن أن تتم إلا بالحسم مع مسألتين: الأولى مسألة التعليم والتربية  والتكوين كما ذكر (إذ لا يعقل أن نستمر على سبيل المثال في تقسيم التعليم إلى تعليم عصري وتعليم أصيل، الأول حداثي والثاني سلفي، حتى لا نقول أصولي)، والثانية تتعلق بحرية التعبير والإبداع، التي قطعت فيها بلادنا أشواط محمودة؛ لكن دون «تغيير العقليات» المرتبطة بالمراجعة المذكورة للفكر الديني، ستظل سطوة المجتمع، قبل الجماعات الإسلامية إياها، تهدد هذه المكتسبات.

3- –

ب- الموجهات القطاعية:
هي التي تختص بوزارة الثقافة ومهامها ومواردها المالية والبشرية وآفاقها المستقبلية. وهذا قيل فيه الكثير، ونكتفي بشأنه بما يلي:
* توسيع اختصاصات وزارة الثقافة الحالية لتشمل، إضافة إلى اختصاصاتها التقليدية (الكتاب والتشكيل والمسرح والموسيقى)، الاختصاصات المتعلقة بالسينما وحقوق التأليف (بل وكذا الاتصال، إذا لم يتم تضخيم عدد الوزارات، كما جرت به العادة، وتفكيك الهيكلة الحكومية لإرضاء الرغبات السياسية المختلفة دون معنى)، إضافة إلى جعل المؤسسة الوطنية للمتاحف تحت وصايتها. وهو ما من شأنه خلق وزارة منسجمة، وذات أهداف ثقافية محددة نسبيا.
* إعادة النظر في تنظيم وزارة الثقافة. وهذا، بالأخذ بعين الاعتبار، إضافة إلى الاختصاصات المذكورة، اختصاصات كبرى أضحت تفرض نفسها مثل: اللغات، والصناعات الثقافية الإبداعية، والثقافة الرقمية، والهندسة الثقافية، والديبلوماسية الثقافية، والثقافة الشعبية..، وما إليه من اختصاصات سبق لي التوقف عندها في دراسات و كتب سابقة.
* تعزيز وزارة الثقافة بالموارد المالية والبشرية اللازمة، بما يفيد: الرفع من ميزانيتها بداية من سنة 2018 (بما أن ميزانية 2017 قد تم إقرارها وانتهى الأمر) بنحو 40 % (نحو 500 مليون درهما تقريبا)، لتصل إلى مليار درهما سنويا أي ما يعادل (0,50%) من ميزانية الدولة على الأقل. وهذا إضافة إلى الرفع من عدد مواردها البشرية الضرورية لمواكبة تسيير أو تدبير مؤسساتها وإنشاء المراكز الثقافية والمعاهد الموسيقية التي تتوفر عليها، والتي يزداد عددها كل سنة.
* تفعيل عدد من مشاريع القوانين والبرامج والمراكز التي أعدتها وزارة الثقافة، مع مراجعة بعضها إن أمكن بالجمع أو الضم. ومثاله: قوانين التراث (مثل قانون تنظيم المتاحف، ومشروع تفويض تدبير المواقع الأثرية)، ومؤسسة تنمية المقاولات الثقافية والفنية، والمركز الوطني للإحصائيات الثقافية، والمركز الوطني للتراث غير المادي، والمركز الوطني للتراث المغمور بالمياه، والمركز الوطني للتوثيق الموسيقي، والمركز الوطني للوثيق المسرحي، ومركز تصدير الموسيقى (الذي بدأ في الاشتغال منذ شتنبر 2016).
* الاجتهاد في حل مشكلة الطلب، أي الجمهور الثقافي، على أساس أنه لا يمكن للدولة أن تدعم كتبا لا يقرأها أحد وأفلاما أو مسرحيات لا يراها أحد أو ألبومات موسيقية لا يسمعها أحد أو معارض تشكيليا لا يزورها أحد. فهذا دعم فيه مضيعة لجهود المبدعين ذاتهم قبل أن يكون مضيعة للمال العام. وهذا ما يجب أن تهتم به اللجنة الوطنية للثقافة، والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية المرتقب، وإيجاد الحلول اللازمة له. وهي التي لن يكون مدخلها، في تقديري، إلا التربية والتكوين. إذ دون ذلك، لا ثقافة حديثة هناك، مهما بنت الدولة من تجهيزات ثقافية آخر صرعة (مثل المسرحين الكبيرين) وكانت سخية في تقديم ما أمكنها من أشكال الدعم المختلفة للإبداع والمبدعين.
* بهذا المعنى، يمكن القول إن للتكوين الثقافي أهميته المتمثلة في التعليم المتنور بشكل عام، والتربية الفنية بشكل خاص. كما يتمثل في التكوين المهني في كل أشكال المهن الثقافية والفنية (الهندسة الثقافية)، والتي لا يمكن أن تزدهر إلا بازدهار السوق الفنية، التي لا يرتبط ازدهارها هي الأخرى إلا بخلق الجمهور المهتم بالشأن الثقافي، وهكذا. إننا هنا إزاء حلقة دائرية، يغذي بعضها البعض، وغياب أو تخلف أحدها فيه ضرر بالباقي، أي بحلقة القيمة ككل (التربية، الإبداع، الإنتاج، التوزيع، الترويج، التسويق..).
* وهنا تطرح إشكالية التعاون الثقافي بشقيه الداخلي والخارجي. الأول، هو الذي يتعلق بتعاون وزارة الثقافة مع كل المتدخلين في الشأن الثقافي على الصعيد الوطني (الوزارات والمؤسسات الوطنية ذات الصلة بالثقافة، إلى جانب السفارات والقنصليات الأجنبية التي لها نشاط ثقافي متميز في بلادنا)؛ والثاني، هو الذي يتعلق بالتعاون الثقافي خارج المغرب (كان في اتجاه المغاربة المقيمين بالخارج، أم في اتجاه الدول الشقيقة والصديقة). وإذا كان التعاون الداخلي من شأن وزارة الثقافة ويدخل ضمن مهام اللجنة الوطنية للثقافة، فإن التعاون الخارجي يطرح مشكلة المتدخلين فيه، بما يقتضي من الحكومة المقبلة الانكباب على تطبيق ما اقترحته وزارة الثقافة في الموضوع، أي إنشاء «وكالة مغربية للإشعاع الثقافي في الخارج» يساهم في تمويلها كل المتدخلين المعنيين، بما فيهم وزارة الثقافة.

*************

هذه بعجالة أهم الأفكار التي تراءت لي بشأن علاقة الحكومة بالثقافة، والتي ارتأيت أن أطرحها على الحكومة المقبلة، معبرا عن آمالي في  أن تطرح بوضوح موقفها من الثقافة. وهو ما لا يمكن، في تقديري كما ذكر، إلا بسن سياسة ثقافية رشيدة ذات بعدين وطني وقطاعي، بما من شأنه إعطاء معنى لنظامنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتعزيز المكتسبات التي تم تحقيقها في القطاع الثقافي خلال الفترات السابقة وتطويرها لما فيه خير لشعبنا وبلادنا. هذا ما أتمناه، يبقى: هل مازال هذا ممكنا، في ظل ما نشهده من تفسخ سياسي وانهيار ثقافي عام؟ هذا سؤال مفتوح للنقاش.

بقلم: محمد بهضوض

Related posts

Top