المخطط التشريعي

أعلنت الحكومة عقب مجلسها الأسبوعي الأخير أنها أحالت مخططها التشريعي على البرلمان، وهو يتضمن عددا من مشاريع القوانين من بينها 13 قانونا تنظيميا، ويشمل ما تعتزم الحكومة إعداده من تدابير تشريعية لتفعيل أحكام الدستور وتنفيذ ما ورد في برنامجها من التزامات ترتبط بمختلف مجالات السياسات العمومية القطاعية. وقد جاء هذا الإعلان أياما فقط بعد اختتام الدورة البرلمانية التي تميزت بدراسة وإقرار قانون المالية، فضلا عن المصادقة على  عشرات النصوص التشريعية والاتفاقيات الدولية، كما بقي في غرفتي البرلمان عدد من مشاريع  ومقترحات القوانين تستدعي بدورها الدراسة والبث.
ويطرح هذا الأمر ضرورة الانكباب على تطوير ميكانيزمات العمل داخل غرفتي المؤسسة التشريعية بما يتيح تسريع وتيرة إخراج النصوص المتبقاة أو تلك المحالة من لدن الحكومة، وبما يمكن أيضا من توفير منظومات قانونية ومؤسساتية وتنظيمية هي التي ستعطي الحياة للمقتضيات الدستورية الجديدة.
وفي السياق نفسه، فان إحالة المخطط التشريعي الحكومي على البرلمان يفرض انخراط كل الأطراف، أغلبية ومعارضة، في مسلسل النقاش الرصين والجدي للنصوص المحالة، والسعي لإخراجها إلى حيز الوجود، وتفادي أسلوب(التجرجير)والسجالات الشكلانية العقيمة..
يحتوي المخطط التشريعي على قوانين تنظيمية، تهم تنظيم العمل الحكومي والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والجماعات الترابية، ومشاركة المواطنين في التشريع، وتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، كما يشمل نصوصا تروم مراجعة قوانين تنظيمية حالية، ونصوصا أخرى على صلة بمؤسسات الحكامة، بالإضافة إلى قوانين عادية، وتدابير تشريعية تهم مشاريع قوانين جديدة، أو ترمي إلى مراجعة التشريعات الحالية من أجل ملاءمتها مع أحكام الدستور، سيما ما يتعلق بالحقوق والحريات وغيرها…
وكل هذا يجعل مسؤولية طبقتنا السياسية اليوم كبيرة وحاسمة في سياق تفعيل واستكمال المرحلة التأسيسية التي دشنها المغرب مع دستور فاتح يوليوز 2011، وسيكون من الخطأ الكبير في حق بلادنا ومستقبلها الديمقراطي تضييع الفرصة، وتفويت هذه المناسبة من أجل تعزيز بناء مرتكزات الممارسة المؤسساتية والسياسية والمجتمعية الحديثة وفق ما جاءت به الوثيقة الدستورية.
ليس المطلوب اليوم من المؤسسة التشريعية بكل مكوناتها هو فقط تطوير ميكانيزمات العمل الداخلي وتأهيل الأنظمة الداخلية وتسريع وتيرة العمل، أو فقط إعمال الجدية والشعور بالمسؤولية والابتعاد عن السجالات العقيمة وتصفية الحسابات الحزبوية الصغيرة جدا، وإنما هو أيضا بذل الجهد على المستوى المعرفي والفكري والقانوني، وتقوية المهارات التشريعية بغاية إخراج نصوص ذات جودة، والإسهام في إنجاح هذه المرحلة الأساسية من مسلسل تفعيل مقتضيات الدستور.
نتطلع الآن إلى غرفتي البرلمان، وخصوصا  مجلس النواب، كي يتم التأسيس لحوار سياسي عالي المستوى، وكي تفضي الأشغال إلى إصدار تشريعات ونصوص عالية الجودة، وكي يكون المغرب في النهاية هو الرابح من كل هذه الدينامية.
[email protected]

Top