بلا أشباح…

تعتزم الحكومة قريبا تطبيق القانون في حق من يعرفون ب» الموظفين الأشباح» في مختلف الإدارات العمومية، وذلك بالتشطيب عليهم، وأيضا بإلزامهم بإرجاع ما تسلموه من أجور طيلة مدة تغيبهم غير المبرر عن العمل.
وكان رئيس الحكومة قد عمم مذكرة في نونبر 2012 طالب بواسطتها مختلف الإدارات العمومية بالمتابعة الدقيقة لهذا الموضوع، ورفع تقرير سنوي عن لوائح الموظفين المتغيبين بشكل غير قانوني بعد استنفاذ كل المساطر والإجراءات المطلوبة للتثبت من كونهم موظفين أشباح.
وإثر تفعيل الإجراءات المتضمنة في المذكرة المشار إليها، تم حصر لائحة تشمل 757 موظفا تغيبوا عن العمل في 2012/2013، وجرى تطبيق المساطر في حقهم، كما تتواصل المتابعة بالنسبة للعام الجاري حيث سيعلن عن نتائجها في حينه.
من دون شك الرقم المروج له هنا قد لا يكون عاكسا للواقع، أي لمستوى تفشي الظاهرة داخل مختلف الإدارات العمومية، وخصوصا في قطاعات التعليم والصحة والجماعات المحلية مثلا، لكن هي اشتراطات المساطر والإجراءات التي قد تأخذ أحيانا وقتا طويلا، بالإضافة إلى ضرورة إعمال الكثير من التأني والدقة في دراسة كل ملف ملف تفاديا للتعسف أو الظلم.
المهم، أن يحدث اليوم لدى المسؤولين هذا الوعي بخطورة الظاهرة وانعكاساتها السلبية على مصالح المواطنين، وعلى المصالح الاقتصادية لبلادنا، وعلى السير العام لشؤون البلاد وصورتها، وأيضا أن يتم الإصرار على تطبيق القانون.
الكثيرون يعرفون أن مئات الموظفات والموظفين يتوصلون برواتبهم من دون حتى التوجه إلى مقرات عملهم، ومنهم من لم يلج مكتبه ولو مرة واحدة في حياته، وفي مختلف مجالس الحديث تروى قصص وحكايات بهذا الخصوص، وتقدم الأسماء والعناوين والسياقات.
كل هذا لم يعد مقبولا اليوم، كما لم يعد مقبولا أيضا أن يجد المواطن مكاتب الجماعات المحلية مثلا شبة فارغة، ولا من يقضي مصالحه أو يجيبه عن أسئلته، وفي المقابل تعج المقاهي المجاورة  بالموظفين الذين تركوا مكاتبهم مهجورة، والشيء ذاته يتكرر في المدارس، وخصوصا في المناطق القروية والنائية، بل وحتى في المستوصفات والمراكز الصحية، وفي إدارات أخرى غيرها.
هنا نحن إذن أمام موظفين يتسلمون رواتب من دون أداء أي عمل مقابل ذلك، ونحن أمام موظفين لا يؤدون أي وظيفة، وكل الأعمال والمهام تلقى على موظفين غيرهم، ثم اننا كذلك أمام ميزانيات ضخمة توزع على هؤلاء الأشباح بلا أي فائدة، وكان بالإمكان توزيعها كرواتب لعاطلين يريدون العمل حقا.
يعتبر هذا الملف أحد المحاور الكبرى ضمن ورش إصلاح الإدارة والمرفق العمومي، ولهذا فهو يجب أن يكون معركة الجميع بلا مزايدات أو ديماغوجية من أحد، ويجب أن ينخرط الكل في مسلسل السعي لإنجاحه»حكومة، قضاء،أحزاب، نقابات، برلمان، صحافة وجمعيات»، وذلك بغاية النهوض بإدارتنا العمومية وتأهيل مواردها البشرية، وإعمال دولة القانون هنا والآن كذلك.
وفي المقابل، لابد أن يحضى التطبيق بكثير من الدقة والتمحيص، وباستحضار كامل الاحترازات تفاديا لأي تعسف في حق الموظفين، ومن أجل  أن تسير المنظومة برمتها ضمن مقتضيات القانون.
[email protected]

Top