بلا أي استغلال لقضية السفاح الإسباني

قضية السفاح الإسباني دانيال وما أحاط بها من تداعيات مختلفة كشفت عن سعي جهات مختلفة إلى امتطاء ظهر القضية للوصول إلى غايات أبعد منها، أي إلى … تسييسها. القضية في البدء وفي الختام تتعلق بخطأ في مسطرة العفو استفاد منه مجرد لا يستحق، وهذا الخطأ الفادح تم الإقرار به من لدن أعلى سلطة في البلاد، وأصدر الديوان الملكي ثلاثة بلاغات متتالية، وأمر جلالة الملك بفتح تحقيق، وقرر سحب العفو، وتمت إقالة مندوب إدارة السجون، وجرى اعتقال المجرم في إسبانيا بموجب مذكرة بحث دولية صدرت عن المصالح الأمنية المغربية، ووصلت لجنة من وزارة العدل إلى مدريد للتباحث حول الجوانب القانونية المرتبطة بالملف، ثم استقبل جلالة الملك أسر الأطفال ضحايا المجرم الإسباني، والتطورات لا زالت متلاحقة على هذا المستوى.
أغلب المتابعين رأوا في كل الوارد أعلاه تفاعلا سريعا وإيجابيا من جلالة الملك، وحضورا ملكيا منصتا لغضب الشارع المغربي، ودليلا آخر على هذا التفرد المغربي الذي يبرز في كل المحطات الكبرى والفارقة، ولكن، بدل الحرص على تيسير الخروج من منغلق هذه القضية، وطي صفحتها في أقرب وقت ممكن، رأينا من يلوذ إلى الشعارات والتصريحات لصنع قضية أخرى من بين حيثيات القضية الأولى، والركوب على مشاعر المغاربة وغضبهم لتحريف الانتباه الوطني نحو وجهات مغايرة.
لقد سعى البعض إلى جعل الملكية المغربية المسؤولة مباشرة عما حدث، وتقديمها كما لو أنها هي اليوم في مواجهة الشعب الذي استهدف في كرامته، وعمل آخرون على «تقطار الشمع» على هذه الوزارة أو تلك، أو على الحكومة ككل أو على الأحزاب، وتحولنا من جوهر الموضوع الذي فجرته فضيحة المجرم الإسباني وحاجتنا الجماعية إلى طي صفحته، إلى موضوع آخر يصنعه من يسعى اليوم إلى خلق صراع بين مؤسسات البلاد، وذلك بأشكال وأدوات صبيانية لا يعي أصحابها خطورة اللعبة التي يقودوننا إليها.
اليوم بدل الانتباه إلى سرعة التفاعل الملكي مع تداعيات القضية، وتقدير المبادرات والقرارات التي أقدم عليها جلالة الملك، هناك من بذل جهدا كبيرا لتحريف الانتباه عن كل ذلك، والتركيز المرضي عن مسؤولية شخصية متوهمة للملك، وتصريف ذلك في شعارات وتصريحات وكتابات لم تنجح مع ذلك في إحداث أي أثر في الميدان.
اليوم أيضا، وبدل استعادة مضامين خطاب العرش مثلا، وحاجة البلاد إلى الخروج السريع من انتظاريتها السياسية والحكومية والاقتصادية لمواصلة أوراش الإصلاح، هناك من يحرص على إطالة عمر قضية دانيال، وجر البلاد كلها إلى الانشغال بها، و»نسيان» بقية الأشياء والقضايا والملفات.
فبسرعة خبا الاهتمام مثلا بتوصيات لجنة إصلاح العدالة واستقبال الملك لأعضائها، وبتضريب قطاع الفلاحة، وبسرعة أيضا تراجع الاهتمام بضرورة الخروج من أزمة الأغلبية وتشكيل أغلبية جديدة لاستعادة دينامية العمل والإصلاح، ثم بسرعة كذلك بتنا نتابع «اجتهادات» البعض الرامية إلى إشعال الحرائق هنا وهناك لفبركة هذا الصراع أو ذاك بين هذه المؤسسة وتلك، وكأن هذا «البعض» المتلون بشتى الألوان والصفات لا تهمه لا مصالح البلاد ولا استقرارها ولا مستقبلها.
في قضية دانيال قام الملك بواجبه ومسؤوليته، ومساطر القانون متواصلة في البلدين وبين مصالحهما المختصة، ومن واجب المغرب اليوم طي هذه الصفحة بما يصون كرامة شعبه، وبما يفتح الباب للانكباب على قضايا الإصلاح والتنمية بلا جهالة أو عمى أو مزايدات.
[email protected]

Top