حماية القدرة الشرائية

الموضوع الذي انكبت عليه الجلسة الشهرية المخصصة للسياسات العامة أول أمس في مجلس النواب، والذي هم «ارتفاع كلفة المعيشة والمحافظة على القدرة الشرائية للمواطنين»، يكتسي أهمية بالغة، كما أنه لا يخلو من حساسية ضمن ما هو منتظر من كل حكومة. إن حماية القدرة الشرائية للمواطنين، وخصوصا الفئات المستضعفة منهم، تعتبر عمق التطلعات الاجتماعية، ومن ضمن الركائز الأساسية للاستقرار الاجتماعي، وللنهوض بأوضاع الناس وتحسين ظروف حياتهم، لكنها أيضا تعتبر ذات هدفية اقتصادية واضحة، حيث أن النجاح فيها يعني تقوية الاستهلاك الداخلي، وبالتالي تنمية الحركية الإنتاجية والتجارية في البلاد، وهذه الجدلية بين البعدين الاقتصادي والاجتماعي في الموضوع هي التي تبرز أهميته البالغة، وأيضا ضرورة النجاح فيه.
لقد سعى رئيس الحكومة، خلال رده على أسئلة أعضاء مجلس النواب، إلى طمأنة المواطنات والمواطنين حول ارتفاع أسعار المواد الأساسية، وأكد على أن الحفاظ على مستويات الأسعار كان دائما هاجسا لدى الحكومة، مستدلا على ذلك بما اتخذته من قرارات تتعلق بالدعم وتعليق الرسوم الجمركية، ودعم الإنتاج الفلاحي، وما تقدمه الحكومة كدعم لصندوق المقاصة، بالإضافة إلى إجراءات مراقبة أسعار المواد المقننة…، دون أن يغفل التنبيه إلى صعوبة الظرفية المناخية والاقتصادية الدولية، وتقلبات أسعار الدولار، وهو ما جعل المجهودات الاستثنائية التي بذلتها الحكومة، تتجاوز قدرتها المالية العادية.
ونفى رئيس الحكومة، في السياق نفسه، ما يروج حول زيادات قريبة قد تشمل قنينات البوطان ومواد أخرى، مؤكدا أن كل إجراء من هذا القبيل سيسبقه حضوره إلى البرلمان ليشرح للرأي العام الوطني خلفياته ومبرراته، ولن تقدم الحكومة على كل ما سيمس القدرة الشرائية للمواطنين عكس ما تروج له أوساط معروفة.
وبغض النظر عن المضمون التطميني الذي ميز أجوبة رئيس الحكومة على أسئلة النواب أول أمس، فإن الموضوع يعيد إلى الواجهة ضرورة إقدام الحكومة على إعلان سلة إصلاحات اجتماعية وفق مقاربة شمولية تروم التخفيف من حدة الإكراهات التي تعاني منها الأسر المغربية منذ فترة، وهي إصلاحات لا تعني فقط مراقبة الأسعار في الأسواق، وبذل جهود أكبر في مجالات التشغيل والصحة والسكن، وإنما أيضا على مستوى الدعم الاجتماعي والتعليم وإصلاح المقاصة والتقاعد، ومحاربة الفساد والريع، وتحسين خدمات المرفق العمومي في مختلف القطاعات، بالإضافة إلى تقوية دينامية الفعل الاقتصادي والاستثماري…
وبمقدار ما سيتقدم المنجز الوطني على مستوى هذه المقاربة الإصلاحية الشمولية في المجالين الاجتماعي والاقتصادي، بمقدار ما سيتم التمكن من حماية القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، وتقوية الاستقرار الاجتماعي للبلاد.
[email protected]

Top