حول الغاء عقوبة الاعدام

النقاش الجاري منذ سنوات حول إلغاء عقوبة الإعدام في بلادنا، لم يبدأ اليوم أو البارحة ليكون دليلا عند البعض على شق الأغلبية أو إحداث أي توتر بين مكوناتها، وإنما هو يندرج ضمن دينامية عامة تفاعلت في الوسطين الحقوقي والسياسي منذ سنوات، وبرزت كذلك أثناء المناقشات التي جرت بمناسبة إعداد الدستور الحالي، وقبل ذلك عند الإعلان عن توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، ومن ثم، فالمواقف معروفة، والحاجة أيضا لازالت مستمرة من أجل الإقدام على هذه الخطوة في المغرب الذي انتصر دستوره للحق في الحياة، ولخيار حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها كونيا.
وضمن هذا التفاعل الوطني، كانت برزت دينامية لافتة من داخل البرلمان، وهي تسعى اليوم إلى الانتقال بعملها إلى مستوى مبادرة تشريعية مدققة، وقد لقيت لحد الآن دعم عدد من الأحزاب، فضلا عن مساندة أوساط حقوقية ومدنية كثيرة لها، علاوة على أنها تستند إلى مرجعية دستورية واضحة  تعلي الحق في الحياة، وهي تحتاج اليوم إلى مزيد دعم ودفع الى الأمام، كي تواصل بلادنا تمتين منجزها الحقوقي، وكي تقود الدينامية على صعيد المنطقة برمتها، وكي تقوي كذلك انسجامها مع التزاماتها الحقوقية الدولية، ومع الأفق الديمقراطي الذي اختارته لنفسها.
من المؤكد أن موضوعا كهذا يرتبط بالعقليات والأفكار أكثر من شيء آخر، لكن الحوار كان بخصوصه متواصلا منذ سنوات، وعرضت كثير اجتهادات ومرافعات، واحتضنت بلادنا عديد مبادرات وطنية وإقليمية ودولية في نفس الاتجاه، وصار اليوم ممكنا الانتقال إلى خطوة أخرى إلى الأمام، أي الغاء العقوبة من القوانين والنصوص، وتحقيق الملاءمة مع الافق الدستوري، ومع التطلعات الديمقراطية والحقوقية لمغرب اليوم.
إن خطوة كهذه تكتسي أهميتها من كونها ستكون واحدة من الإشارات القوية على قوة الإرادة السياسية للسير إلى الأمام على مستوى تقوية البناء الديمقراطي وتتمثل المرجعيات والالتزامات الحقوقية الكونية بلا تردد أو تراجع، ومن ثم، فان الاصطفاف إلى جانب هذه الدينامية، وفضلا على أنه غير مستجد أو طارئ، فهو يجد منطقه داخل المرجعية الفكرية والسياسية المنتصرة لكونية حقوق الإنسان، وللحق في الحياة، بالإضافة إلى أنه يروم تعزيز مكتسبات بلادنا على مستوى التطبيق الديمقراطي للدستور، نصوصا وآليات وأفقا، وإعمال توصيات هيئة الانصاف والمصالحة، وتمتين الصورة الحقوقية لبلادنا عبر العالم.
[email protected]

Top