عن اجتماع لجنة القدس أيضا

من ضمن مؤشرات نجاح الاجتماع العشرين للجنة القدس الذي انعقد في مراكش برئاسة جلالة الملك، أنه أسس لانطلاقة جديدة للقضية الفلسطينية، ذلك أن السياق العام الذي ميز توقيت انعقاده يشهد تراجعا واضحا في التضامن مع فلسطين، وتنامي الممارسات التهويدية والاستيطانية للاحتلال الصهيوني، وهذا يسجل لمبادرة ملك المغرب كونها أعادت ملف القدس، وقضية فلسطين بصفة عامة إلى عمق الاهتمام العربي والإسلامي، ومثلت مرافعة حقيقية تجاه المجتمع الدولي، ومن المؤكد سيكون لهذا الاجتماع ما بعده.
أما التميز الآخر لاجتماع مراكش، فيتضح انطلاقا من المعجم اللغوي المستعمل، وخصوصا في الكلمتين الملكيتين في الافتتاح والاختتام، وأيضا في المقررات الصادرة عن الدورة، ذلك أنه إلى جانب التعبير القوي والواضح عن المواقف والمشاعر، فقد برز جليا خطاب العقل والحكمة والواقعية.
التنديد بممارسات الاحتلال جاء مقترنا بالتأكيد على السلام والمفاوضات، والتنبيه إلى خطر استغلال القضية الفلسطينية من لدن القوى المتطرفة والإرهابية جاء أيضا مقترنا بالدعوة إلى المصالحة الوطنية الفلسطينية، وبالتشديد على ضرورة وحدة الصف بين العرب والمسلمين، وذلك لكون قضية القدس، واقعيا وسياسيا ورمزيا، هي تجمع ولا تفرق، وتقرب ولا تبعد.
في السياق نفسه، لقد استحضر اجتماع لجنة القدس صعوبة الظرفية المحيطة بقضية القدس وبأوضاع الشعب الفلسطيني وخطورة التحديات المطروحة أمام النضال الفلسطيني، ثم أكد على أن الدعم العربي والإسلامي يجب أن يكون سياسيا وديبلوماسيا، ولكن أيضا وأساسا ماديا وماليا، ومن خلال برامج عملية ملموسة تقام على الأرض لفائدة الفلسطينيين، والمقدسيين على الخصوص.
وهنا كان لافتا وقويا تأكيد جلالة الملك على أن حماية القدس من مخططات التهويد، ودعم المرابطين بها، لن يتأتى بالشعارات الفارغة، أو باستغلال هذه القضية النبيلة كوسيلة للمزايدات العقيمة، مشددا جلالته على أن» حماية القدس أمر عظيم وجسيم، يتطلب الثقة والمصداقية، والحضور الوازن في مجال الدفاع عن المقدسات الإسلامية»، ثم أضاف أن «الأمر يقتضي بلورة مقترحات جدية وعملية، والإقدام على مبادرات واقعية مع ضمان وسائل تنفيذها، وآليات تمويلها».
إن مضمون هذا التنبيه الملكي كان يجسد رسالة لأطراف كثيرة، وقد تم التقاط الرسالة فعلا من لدن العديد من المراقبين الذين تابعوا عمل لجنة القدس وحللوا خطاب رئيسها جلالة الملك، كما أنهم توقفوا أيضا عند كلمة العاهل المغربي في ختام أشغال الاجتماع حيث أكد أن» طريق السلام شاق وطويل، ويتطلب تضحيات جسام من جميع الأطراف، كما يقتضي التحلي بروح التوافق والواقعية، وبالشجاعة اللازمة لاتخاذ قرارات صعبة وحاسمة، ينتصر فيها منطق العقل والحكمة والأمل والحياة، على نزوعات الحقد والتطرف واليأس والعدوان».
لقد نجح المغرب إذن، من خلال اجتماع مراكش، في تقديم نفسه للمجتمع الدولي كفاعل رئيسي قادر على المساهمة في إنجاح ديناميات السلام بلا مزايدات أو مناورات، وبكثير من الرصانة والحكمة والعقل  كما كان دائما.
[email protected]

Top