قرارات مهمة وبلا كلفة كبيرة

مصادقة مجلس النواب على مقترح قانون يقضي بحذف فقرة من الفصل 475 من القانون الجنائي تتعلق بزواج القاصر من مختطفها أو المغرر بها، لم يخلف فقط ارتياحا وسط الضحايا وأسرهم، أو لدى الحركة النسائية والحقوقية المغربية وحدها، وإنما كانت للخطوة التشريعية أصداء دولية كبيرة، وتلقى المغرب بفضلها الكثير من الإشادة والتنويه.
فور إقدام مجلس النواب على الخطوة الهامة، صدر بلاغ عن منظمة العفو الدولية «أمنيستي أنترناسيونال» يشيد وينوه، ويسجل إيجابية المبادرة، كما شددت تصريحات مسؤولي المنظمة الحقوقية الأكبر والأشهر في العالم على إيجابية القرار، داعية، على غرار مواقف عدد من المنظمات الحقوقية والنسائية المغربية، إلى الاستمرار في هذا التوجه من أجل تعديل شامل للقانون الجنائي وتحقيق العدالة الجنائية للنساء.
وضمن الأصداء الإيجابية نفسها نشرت كثير من الصحف الأوروبية والأمريكية مقالات وتحليلات حول الموضوع، ضمنها مقال في «واشنطن بوسط» لم يخل بدوره من إشادة بالخطوة التشريعية المغربية، علاوة على الاهتمام الإعلامي الذي أبدته كثير من القنوات التلفزيونية العربية والدولية ووكالات الأنباء العالمية للموضوع…
وقبل هذا، لابد أيضا أن نتذكر الأصداء العديدة التي كانت قد رحبت بالسياسة المغربية الجديدة في مجال الهجرة واللجوء، وبقرار تسوية الأوضاع القانونية والإدارية لمئات المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين…
تستدعي إذن هذه النتيجة تأملا ذكيا ورصينا من طرف المسؤولين في بلادنا، ومن مختلف القوى السياسية والبرلمانية، ليدرك الجميع حجم الإشعاع الذي يمكن لقرارات لا تكلف الكثير من المال أن تجلبه للبلاد، وأيضا لنفهم كلنا هذا التحول الذي بات اليوم يميز المواقف والعلاقات عبر العالم وبين الدول.
إن الانخراط اليوم في منظومة القيم الكونية المنتصرة لحقوق الإنسان والمساواة والحرية والديمقراطية، والحرص على ملاءمة التشريعات والممارسة الوطنيتين مع هذه الالتزامات الدولية، والاصطفاف ضمن المسار العام للبشرية، كل هذا صار هو منطق العصر، ولا يمكن لأي بلد أن يكون فاعلا في المنتظم الدولي ومستفيدا منه، وهو متخلف عن هذه الدينامية، ويبني حول ذاته أبراج من العزلة والتخلف والرفض.
وترتيبا على ما سبق، يجدر اليوم أن نتمعن في مطالب حقوقية أخرى لازالت مطروحة على بلادنا، وتطالب بها الكثير من القوى المحلية منذ سنوات:
> إلغاء عقوبة الإعدام من التشريع الوطني.
> تقوية الحرية في مختلف القوانين المؤطرة للصحافة والإعلام في بلادنا، وفي باقي التشريعات ذات الصلة بالحريات العامة والتجمعات وعمل هيئات المجتمع المدني وحرية التعبير.
> تعديل شامل للقانون الجنائي، ولمختلف التشريعات الوطنية، بما يكرس المساواة بين الجنسين، ويضمن الكرامة للنساء ويمنع التمييز ويعاقب عليه.
> تسريع مسلسل إخراج كل القوانين التنظيمية، وإنشاء الآليات والهياكل المنصوص عليها في الدستور الجديد للمملكة…
> تقوية تدريب الموظفين المكلفين بتنفيذ القانون على احترام حقوق الإنسان، وخصوصا ما يتعلق بالقضاء، وأيضا ما يرتبط بالمظاهرات الاحتجاجية المقامة في الشارع…
إن الإقدام على خطوات شجاعة بشأن هذه المطالب وغيرها، لن يكلف ميزانية الدولة الكثير من الموارد المالية، لكنه في المقابل سيكسبها الكثير من الإشعاع والمصداقية عبر العام، وبالتالي سيساهم في تقوية جاذبيتها وسط الفاعلين الاقتصاديين والمستثمرين عبر العالم، وسيمنحها بعض الدرجات في سلم تصنيفات كثير من المؤسسات الدولية.  
لنستفد جميعا من الدرس إذن، ولنمسك ببعض الشجاعة في الإقدام على خطوات إلى الأمام.
[email protected]

Top