لجنة القدس بمراكش

تنطلق اليوم الجمعة بمدينة مراكش أشغال الدورة العشرين للجنة القدس تحت رئاسة جلالة الملك، رئيس لجنة القدس، وبحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس… أهمية هذا الاجتماع تتجلى من خلال قراءة سياقه وكل الإشارات المحيطة به، ذلك أنه الثالث من نوعه منذ اعتلاء جلالة الملك العرش، ويجسد حرص المملكة وعاهلها على الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وعلى حماية القدس الشريف، كما أنه ينعقد اليوم ضمن سياق يشهد إصرار الاحتلال الإسرائيلي على مواصلة سياسات التهويد، وتزايد المناورات الصهيونية التي تستهدف القدس الشريف والمسجد الأقصى، وبالتالي تهديد معالم المدينة المقدسة، والسعي لتغيير وضعها القانوني والديموغرافي وفرض واقع جديد على الأرض.
من المؤكد أن الجانب المبدئي سيكون بارزا في أعمال اجتماع لجنة القدس بمراكش وفي التوصيات والقرارات، أي الإصرار على هوية القدس الشريف ورفض مخططات التهويد، والمطالبة بوقف الاستيطان، والتأكيد مجددا على الحقوق الثابتة والمشروعة للشعب الفلسطيني، لكن أيضا الجوانب العملية لن تكون غائبة، ذلك أن المملكة التي تحتضن مثلا وكالة بيت مال القدس وتدعمها، جعلت مبادراتها وخطابها دائما مقرونين بمشاريع ملموسة تروم تعزيز صمود المقدسيين على الأرض، وتقديم المساعدات الإنسانية والاجتماعية والتجهيزية لفائدتهم، فضلا عن إنجاز المشاريع ذات الصلة بالبنيات التحتية والمؤسسات التربوية والثقافية، وتنفيذ برامج تتوجه لصيانة هوية ومعالم القدس الشريف.
بمناسبة الاجتماع العشرين في مراكش، تطرح إذن على لجنة القدس مسؤولية النظر في سبل تقوية الآليات العملية والميدانية التي تعتمد عليها، وخصوصا وكالة بيت مال القدس، وتوفير كل الموارد والإمكانات اللازمة لدعم المقدسيين ومواجهة المخططات الصهيونية الخطيرة على الأرض، وهذه المسؤولية تطرح على البلدان الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، وخاصة منها التي تمتلك الإمكانيات المالية.
فعلا يحتاج المقدسيون، والفلسطينيون عموما، إلى تمتين خطاب المساندة والتضامن معهم وتقويته، واحتضان نضالاتهم البطولية ضد الاحتلال الصهيوني، ولكنهم يحتاجون أكثر إلى ترجمة عملية للتضامن المبدئي، ويحتاجون إلى أن تسدد كل البلدان العربية والإسلامية التزاماتها المالية من أجل تقوية صمودهم على الأرض، وإنجاز برامج ومشاريع البناء والتأهيل لفائدة الناس، ويتيح اجتماع مراكش الفرصة لكل هذه الدول كي تعلن اليوم انطلاق دينامية تضامنية جديدة، حتى يحس الفلسطينيون بإسناد واحتضان عربيين وإسلاميين حقيقيين لمقاومتهما الباسلة.
إن النموذج الذي يجسده المغرب في التضامن مع الشعب الفلسطيني والدفاع عن القدس يصلح أن يكون قدوة لكل بلدان التعاون الإسلامي والدول العربية، وذلك لما يتميز به من حكمة ومن ابتعاد عن الابتزاز أو التدخل في الشؤون الداخلية للفلسطينيين، ولهذا، حتى عندما سعت بعض الأنظمة  العربية  لإبعاد المملكة عن لجنة القدس لم تحصد سوى الفشل، كما أنها لم تحل دون أن ينعقد اليوم اجتماع مراكش بدعوة من جلالة الملك كإشارة إلى استمرار الحضور المغربي في قلب المعادلة الفلسطينية وفي عمق مسلسل البحث عن السلام في كامل منطقة الشرق الأوسط.
[email protected]

Top