ليبيا الجديدة

عكس ما سبق أن تضمنته العديد من التكهنات والتوقعات، فإن ما كشف عنه من نتائج أولية بالنسبة لانتخابات ليبيا، يبرز أن تحالف القوى الوطنية الذي يتزعمه محمود جبريل يواصل تعزيز تقدمه في اتجاه تحقيق فوز بين في هذا الاستحقاق التاريخي، وذلك على خلاف ما أفضت إليه اقتراعات تونس ومصر، حيث حققت القوى الإسلامية اكتساحا كبيرا.
لحد اليوم، قد لا تكون النتائج والأرقام والمؤشرات كافية أو مسعفة لرسم الخلاصات النهائية، وتحديد طبيعة الأغلبية داخل المؤتمر الوطني العام الذي يضم 200 مقعدا، والذي سيختار مجلسا ورئيسا للوزراء، قبل أن يمهد الطريق لانتخابات برلمانية كاملة في العام المقبل تنظم على أساس دستور جديد، لأن لوائح الأحزاب والتكتلات السياسية خصص لها فقط 80 مقعدا، ما يعني أن نسبة الأعضاء المستقلين ستكون كبيرة، وبالتالي، فإن الخريطة النهائية ستحسم اعتبارا لتحالفاتهم واصطفافاتهم سواء إلى جانب تحالف جبريل، أو إلى جانب محمد صوان، رئيس حزب العدالة والبناء، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا.
وبالرغم من هذا الاحتراس الضروري، فإن انتخابات ليبيا فاجأت، مع ذلك، المراقبين، وكشفت عن نجاح تيارات مدنية وليبرالية في توحيد قدراتها، وتشكيل تحالف واسع استطاع تحقيق انتصار انتخابي في مواجهة الإسلاميين عكس ما حصل في تجارب بلدان عربية مجاورة، كما أن التحالف المذكور تمكن من تقديم شخصية والترويج لها كزعيم للتحالف، وكرئيس وزراء محتمل للمرحلة المقبلة.
من المؤكد أن التحالف المشار إليه وزعيمه سيواجهان، ولو في حال الفوز النهائي، كثير مصاعب ومعضلات ترتبط بماهو داخلي يتعلق بالتحالف نفسه، أو على المستوى السياسي والميداني العام، لكن ذلك لا يمنع من القول بأن ما تم تحقيقه من نتائج انتخابية سيمثل واحدا من العناوين الكبرى للمرحلة السياسية الجديدة في ليبيا.
المراقبون كانوا يتخوفون من انتخابات ليبيا نتيجة المسار التاريخي الذي خاضته البلاد على عهد القذافي، وغياب مؤسسات دولة حقيقية، وأحزاب وتنظيمات في المجتمع، فضلا عن الانتشار الواسع للأسلحة اليوم وسط الناس والميليشيات المتعددة، لكن رغم كل ذلك، فقد جرت الانتخابات من دون حوادث عنف كبيرة، وشهدت مشاركة مهمة للناس في التصويت، وأفضت لنتائج لم تكن متوقعة في السياق العربي الحالي.
التحدي إذن الآن، هو أن تساعد نتائج الانتخابات في إفراز خريطة سياسية واضحة وفاعلة تقود المرحلة القادمة، ويتبلور الاتفاق الوطني الواسع حول القبول بشرعية الاقتراع، والتعبئة الجماعية لتثبيت الاستقرار والأمن في البلاد، ولبناء مختلف مؤسسات الدولة، وتفعيل المصالحة الوطنية والانتقال الديمقراطي، وإعادة الحياة للدينامية الاقتصادية والاجتماعية.
[email protected]

Top